""خيوط الألم"" بقلمي

حملتها الرياح كاللاشيء ،تمايلت معها فلاحول لها ولا قوة ،الشمس حمراء قانية ،أهو شر قديم ؟أم حزن دفين؟ ،انتهى وقتها ،فقد آذن الزمان بقدوم الساعة،فصارت تخدع الناظرين بشكل أقسى من الحجر ،ولكن شر البلية ما يضحك ،فقد كانت أقل ضربة قادرة على تفتيتها إلى قطع صغيرة،استمرت بالسقوط ، حتى سكنت ،واستقرت على كتف عائشة ،بدا على الشجرة الحزن لفقدان أحد أوراقها ،ولكن لم يضاهي ذلك ما يحمل قلب عائشة من أشجان ،فقد كانت تقف أمامهم ،كالمتهم أمام القاضي ،حبست دموعها قدر ما تستطيع ،هاهو القدر حرم ابنها تلك الشاحنة القديمة التي أحضرتها،لتأنسه في وحدته ،لا ،هو ليس وحيدا ،فهم معا ،وإن كانوا في توابيت مختلفة ولكن هم على الأقل على بعد سنتيمترات من بعضهم البعض،في عالم لا يعرف الأحزان أو الآم ،عذبها السؤال طول حياتها ،بل وكاد يفتك بها ،لماذا أخذهم من أحضاني ؟ ،ماذا فعلت لأعذب هكذا؟ ،أليست السلاسل والأغلال ،والسياط الحارقة أرحم ،من هذا الوجع ،نظرت إليه ،غالبت دموعها فابتسمت ،لربما لن يسمعها،لربما لن يراها ،ولكن ستصله كلماتها،وسيصله شوقها ،فالدنيا كلها غير قادرة على استيعابها ،كم رفضت إلى حد الآن ؟،كم دعتها الدنيا لتعود إليها ولكن أبت ؟،فقد أخذ منها كل من تحيا لأجله ،كل من أحبته يوما ،تذكرت أيامها الأولى بعد الحادث ،أيام الجنون ،فقد فقدت كل ما لديها من عقل ،جراء ذلك الخبر الذي،الذي زلزل وجدانها ،وكاد يدمر كيانها ،روحا وجسدا ،تذكرت أحلامها الوردية ،أيام السعادة ،أهذه هي حال الدنيا ؟،مجرد سراب عابر ،يظنه الظمآن ماء ،مجرد وهم .أبهذه السرعة يستطيع أن يفقد الإنسان كل شيء ؟ ، لمست تراب بيوتهم الأبدية ،حبها الخالد،وثماره .تنسمت الرائحة واستلذتها ،وأحست بتلك الرغبة الهائلة ،في ترك الحياة ،ألهذه الدرجة وصل بها اليأس؟،نزلت دمعة فضية على وجنيتيها ،دمعة حبست فيها أوجاعها ،ذكرياتها ،ولم يبق غيرها ،فقد جف دمع العين ولم يجف ألم القلب ،هزلت حتى ظهرت عروقها وتجاعيد وجهها ولازالت في الثلاثينات،ذبلت كالورقة التي سقطت للتو على كتفها ،وإن عزتها هذه الأخيرة على آلام لم تعرفها يوما،وفراق شجرة أفضل من فراق أشجار ،كما حدث لها .

(( إنتهى الوقت ))
هكذا قال ممرض مستشفى الأمراض العقلية ،بحنو ،حاولت البقاء ،ولكن انقلب الحنو شراسة ،أخذت بالقوة ،وعادت إلى ذلك المكان الذي تعتبره منزلها ،فأهله ألفوا صرخاتها،واعتادوا عليه،دخلت إلى غرفتها،وبدأت بغزل خيوط الألم ،خيوط ذكريات لن تتآلف أبدا ،معادلة غير متكافئة ،فاستعد الجميع لليلة أخرى من الجنون.