منتديات أبو الحسن التعليمية
 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 829894
ادارة المنتدي  مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 103798
منتديات أبو الحسن التعليمية
 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 829894
ادارة المنتدي  مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس 103798
منتديات أبو الحسن التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات أبو الحسن التعليمية

منتدى تعليمي ترفيهي تثقيفي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
mouayed
عضو برونزي
عضو برونزي
mouayed


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 2952
نقاط : 17208
السٌّمعَة : 65
سجل في: : 26/04/2010
وسام : وسام المراقب المميز

 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Empty
مُساهمةموضوع: مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس    مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Icon_minitimeالثلاثاء 5 يوليو 2011 - 13:51


مصير القصيدة .. مصير الكلام

محمد بنيس


(فصل من كتاب "الحق في الشعر" وهو مجموعة أبحاث ومقالات للشاعر المغربي محمد بنيس تتناول الشعر وواقعه وآفاقه وأزماته وتحدياته)
صوت يخترق الكلمات، ذبذبات وحدها
تحيي صفحة من كلام. ذلك صوت يأتي إلى القصيدة من القصيدة نفسها، من تاريخها
ومصيرها. صوت، في الوقت ذاته، ينزل الصدر والصفحة بألق ما يحرق. وفي
الانصات إلى المكتوب، تتبدى مقاومة عالم مضطرب. صوت ومقاومة معاً، على صفحة
واحدة. كأنك، وأنت على حدود الصوت، تحاذي جنون ان تنصت، في زمن يتعذر فيه
الانصات، إلى القصيدة بما هي تذكير بالرهان. لأجل ذلك ترتاب ولا ترتاب،
دفعة واحدة، في ما يتشكل صوتاً، خطاً، على صفحة من كلام، يذكر بأن القصيدة
كلام يديم الكلام.

بصوت مماثل تكون مأخوذاً بالقصيدة
في العالم، عالمنا. وبه كنت مأخوذاً على الدوام. هكذا كان الصوت في اليوم
الأول من اللقاء بالقصيدة. انه ما يذكر بالقصيدة. صوت في صيرورة يكون. صوت
لمن سبقني مثلما هو لي. واذا كان الشعر ابعد من الشعر، كما يقول ازرا
باوند، فان الأبعد من القصيدة، الحياة والموت، هو ما يعرفنا على مصدر صوت
يذكر في زمننا برهان الكلام الشعري. تلك هي تجربة القصيدة عبر التاريخ. وهي
اليوم تعود إلينا، من جديد، في صوت القصيدة إلى القصيدة الذي يذكرنا، نحن
أيضاً، بأن الكلام الشعري هو على الدوام ينشأ، ميلاداً متجدداً، هو نفسه
ميلاد بشري، فيه يرتفع الشطح، من خلال اللغة، يقيم الجمال والحب والمتاه
إلى النشيد، ممارسة إنسانية تستحضر الظاهر والمحجوب في آن. بهذا المعنى فان
الشاعر يرحل إلى حيث يرحل المهيؤون للرحيل، نسكاً ومجاهدة، لا يتخلون عن
صوت القصيدة في القصيدة. كذلك كان أنشد مجنون ليلى:

أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
هي ذي رؤية شاعر عاشق لا للديار بل
لساكن الديار، عندما ينصت لصوت القصيدة في القصيدة، لمن يسكن القصيدة،
ناطقاً فيها، مذكراً إياها بأن القصيدة كلام يديم الكلام. إنصات شاعر عاشق
للكلام الذي بفضله يدوم الكلام، لغة للانساني فينا وبيننا، لما يسمح لنا أن
ننشترك في اختيار حياة وموت.

كل شاعر تجربة، مهما كانت لغته أو
زمنه وحضارته، ينطلق من هذه الرؤية. كما ان كل قصيدة لها وضعية التجربة لا
تختلف في حكمتها عن هذه الحكمة. القصيدة كلام يديم الكلام. ولا يتحقق
للقصيدة أن تبقى قصيدة الا اذا هي أقامت في الكلام الذي يديم الكلام، إلا
اذا هي أقامت في الشعري. إن الشعري هو الكلام في حالة شطح، ميلاد لا ينتهي.
انه الخلق بعبارة ملارمي، الذي كتب:

"الشعر وهو منحصر في الخلق، يجب ان
يأخذ في الروح الانسانية حالات، بوارق صفاء مطلق، الى الحد الذي، عندما
تغنى ويتم ابرازها بطريقة جيدة، يمثل ذلك بالفعل جواهر الانسان: حيث ثمة
رمز، ثمة ابداع، ولكلمة الشعر هنا معناها: إنه، بالإجمال، الإبداع الانساني
الممكن".

الشطح
فالقصيدة كلام يديم الكلام لأنه
فيها يبلغ حد الشطح، الذي ينقل اللغة إلى الصفاء. الشطح هو قوة انبثاق
اللغة من الكلام الشعري في بدء لم يكن لها واقبال على ما لم يكن فيها.
والقصيدة تأتي من نفس ينفخ في الكلام، واهباً اياه لا ما يعبر بل ما يخلق
لك ولي ميلاداً متجدداً، إبداعاً إنسانياً، لا نهائياً للكلام. إنه الكلام
الذي نكون به حياتنا وموتنا في آن، سمعنا وبصرنا في آن، مستمراً في انتاج
اللغة فيما هي تعيد انتاج فائض المعنى، مدافعة عن وجوده، محافظة عليه، هذا
هو الكلام الذي يديم الكلام، إنسانياً، لغة للانهائي، المجهول، لغة لا
ينفصل فيها المعجم عن التركيب ولا النفس عن الايقاع ولا الكلام عن الايحاء
ولا المعنى عن الوجود ولا الذات عن المصير.

لم يكن الشاعر العربي القديم ينصت
فقط إلى صوت القصيدة في القصيدة، بل كان عارفاً بهذه القدرة للكلام الشعري
على أن يديم الكلام، أن ينقله من صدر إلى صدر. معرفة تؤكد ما يأمر به
الصوت. عن ذلك كتب أبو تمام:

ولو كان يفنى الشعر افناه ما قرت
حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه صوب العقول إذا انجلت
سحائب منه اعقبت بسحائب
الشعر لا يفنى. ما جمعت الأزمنة
كلها، ما صنعت له الدواوين ورتبته، لم يوقف الشعر ولم ينجح في افنائه. هو
الشعر مطر العقول المنهمر، المتدفق من سحب تتدافع، تتوالى. ينزل ولا يخطئ
المكان الذي يجب أن يكون مكان النزول. دائماً، يديم النزول. شطحاً. ينزل،
لا يتوقف. الشعر لا يفنى. ذلك هو سر الشعر. وهو أيضاً سر ما يديم الكلام.
لذلك الصوت انصت الشاعر في صمت الراحلين، ليلاً بعد ليل، إلى القصي، أقصى
الكلام.

ويعود الصوت. تلك هي تاريخانية
الكلام الشعري، مشخصاً في ذات تكتب ما لا يتشبه ولا يتكرر. تاريخانية تشم
المحجوب في القصيدة، راحلة بها إلى الشطح. غالباً ما ننسى هذا الصوت
الفاتح، الموحي، الوحي، الذي يزور لغة ولغة، يعبر حضارة فيما هي تنادي على
حضارة. ونادراً ما نفكر في هذا التاريخ السري للقصيدة، الذي يبقى بعيداً عن
كل مضاربة سياسية أو إعلامية.

نحن، الآن، وجهاً لوجه أمام هذا
الصوت، في لحظة من تاريخ البشرية ومن تاريخ القصيدة. العولمة. لحظة تهدد
الانساني بدلاً من ان تترك الجميل، المنفتح، الأخوي يلمع، كلاماً يديم
الكلام. والصوت جواب القصيدة على ما يعترضها في هذا الزمن الذي تسرع به
العولمة إلى مدارات كل مرة تضاعف الاحساس بفقدان الانساني. العالم هنا.
أمامنا. فينا، لن نبحث عنه خارج ما نعيشه من يوم ليوم، من عذاب لعذاب.
بمجرد ما نصاب بهذا الحضور للعالم، جميع أنواع الجغرافيات السياسية أو
الاقتصادية، التي تفرض التفوق أو الجبروت، تتراجع خلف ما يفرض ذاته على
جميع الذين يشتركون في االخوف مما يهدد المشترك بيننا.

ولا يمكن اعتبار هذه اللحظة من
التاريخ استثناء. انها صيغة مختلفة لحياة بشرية هي نفسها التي كانت من قبل
وهي التي ستبقى. دمار اليوم هو ولا هو دمار الأزمنة المتعاقبة. دمار
الأزمنة السالفة يعثر على صداه في دمار زمننا، لكن صدى ما نعيش يزوبع
الأزمنة فلا نرى الا ما ينفرد به زمننا. قرننا القريب منا يكفي. حربان
عالميتان وحروب استعمارية ليست اقل رعباً وفتكاً مما نحن اليوم فيه. مع ذلك
فالدمار يبدل قناعه. هو اليوم أمامنا، باسم العولمة وصراع الحضارات
ومحاربة الارهاب مقرونين بالاسلام، في عالم ملتصق بجلدنا، بذبذبات الأنفاس.
وفي كل مرة يبدو أن البشرية لم تعرف من قبل ما هي مقبلة عليه.

عالم الدمار امامنا، حتى ولو كانت
الصورة (الاعلامية) لا تنقل لنا ما يثبت وجود دمار. وفي الدخيلة صوت من
القصيدة إلى القصيدة. القصيدة كلام يديم الكلام. العالم أمامنا والصوت
يعبر. يذكر القصيدة، في عالم الدمار الذي هو دمار للمشترك بين الناس، ان
الكلام اليوم مهدد بألا يديم الكلام، بفقدان الكلام.

دمار متعدد لا نرى فيه، بالضرورة،
دماراً، أو لا نرى منه سوى الذي نقدر على رؤيته. رؤية ليست متساوية. ثم ان
مصير القصيدة أو مصير الكلام، وسط أنقاض الدمار، ليس واضحاً بما يكفي. وهو
شأن مصير لغات وثقافات لا نعبأ بالالتفات اليه عندما نكون متمركزين حول
ذاتنا الثقافية المنتصرة، منغلقين على عالمنا المغلق. منا الينا، لا أكثر
ولا أقل. ومهما اختفى المتعدد في الدمار، فمن المؤكد ان الوضعية الدولية
للقصيدة تتجلى في صورة يكاد يلتقي فيها الشرق بالغرب، ويصاحب فيها الشمال
الجنوب. ذلك ان القصيدة، في عالم اليوم، تصطدم بواقع فقدان الكلام في
الحياة البشرية. لا شيء يفصل قصيدة عن قصيدة، أكان الشاعر منتمياً لبلاد
قوارب الموت أو لبلاد لها فائض البذخ أو لامبراطورية ذات قبضة نارية تضرب
ما تشاء وحيث تشاء دونما حسبان لحريات وحقوق. هذه الوضعية للقصيدة، لا يمكن
ان يحس بها غير الساهرين على رؤية الدمار، متعدداً، والانصات اليه في
العالم وفي القصيدة، على السواء. ولربما كانت القصائد لأول مرة في التاريخ
البشري تلتقي ببعضها بعضاً، في حالة فقدان الكلام.

مهدد
في عالمنا هذا، اذن، يكون الشعر
مهدداً بطريقة مضاعفة. فهو مهدد في ذاته، بما هو تجربة ذات متفردة؛ ومهدد
بما هو مكان يديم الكلام. ان الشعر يجد اليوم نفسه.

مبعداً عن الكلام. تلك مسافة من مسافات الدمار. لكن المسافات الخفيّة هي ما يهدّد الكلام، اللغات. مصير قاتم. فقدان اللغات، الكلام.
يذكّر صوت القصيدة، اليوم، القصيدة
بأنها كلام يديم الكلام لأن لكل زمن صوتَه. ولكل صوت أمرَه. هذا هو معنى
تاريخانية القصيدة، الكتابة، الشعر. فأمر هذا الصوت، الذي تذكّر فيه
القصيدة القصيدة، يأتي في زمن نرى فيه نهاية لأوامر سابقة، أوامر شعراء
القرنين التاسع عشر والعشرين، من هلدرلين الى ملارمي الى ريلكه الى بول
تسيلان. فكرة التقدم أو فكرة النبوة لم تعد أي منهما قضية نظرية تشغل
القصيدة اليوم. لكن نهاية زمن ونهاية أوامر لا تفيد نهاية صوت القصيدة في
القصيدة. هو صوت في صيرورة. وصيرورة صوت القصيدة هي، بالضبط، ما علينا أن
نتهيأ لملاحظته كي تنصت الى هذا الصوت عندما يتقدّم نحو القصيدة من أجل
التذكير بالمكان الذي يجب عليها أن تكون فيه. فزمنُنا يهدّد الكلام
بالفقدان لأنه ينقل الكلام من مكان الديمومة الى مكان سيولة الاستهلاك، ومن
مكان الشطح الى مكان الفرجة، ومن مكان الحوار الى مكان الحبسة، مستعيضاً
عن الكلام باللاّكَلام، مؤدياً الى فُقدان الكلام.

يحق لنا أن نسأل عن هذا الصوت الذي
يتقدم القصيدة فيما هو يتقدّمُنا، آتياً من المستقبل، مستقبل الشعري
والإنساني، معاً، على طريق واحدة هي المصير، مصير القصيدة، مصير الكلام.
صوت في مواجهة عالم مصنوع من سيادة السوق واستعمال الطرق الكبرى للتواصل
ووضع الإعلام (والسلاح) رهن إشارة أكبر المجموعات المالية ـ الاقتصادية. ما
يدفعنا للسؤال عن صوت القصيدة هو أنه يتعارض والخطاب المعمّم للعولمة،
الذي ينتصر في تدمير الإنساني، واضعاً المنفعة مكان المصير، جاعلاً من صراع
الحضارات ومحاربة الإرهاب مقدّمة للامتياز، منادياً بالديموقراطية وحقوق
الإنسان من أجل المزيد من الهيمنة. وصوت القصيدة في القصيدة يصبح قادماً من
المستقبل بقدر ما يكون آتياً من ماضي القصيدة البعيد، الأبعد، وبقدر ما
يتعارض والسرعة المتصاعدة التي تعمل بها العولمة لتدمير قيَم الإنساني.

صوت يذكّر بالكلام الذي يديم الكلام
بما هو أمر يأتي من الجهة المعاكسة، التي لا تستسلم لما تبني عليه خطابات
وسياسات دولية استراتيجية تدمير متعدد للإنساني. والسرعة لا تفاجئنا بفداحة
التدمير وحده بقدر ما تفاجئنا بالأشكال التي يصبح فيها خطاب التدمير
معروضاً علينا. من حرب الى حرب. فالعولمة الاقتصادية، التي تمزّق ينابيع
الحرية البشرية، هي نفسها التي تنتحب صراع الحضارات عنواناً للسلوك
الضروري. ذلك هو التدمير المتعدد الذي يبلغ حدّ منع الكلام عن ديمومة
الكلام.

إن عالمنا يفتقد الكلام الذي يديم
الكلام عالم أخرس، يمنع لغات وذوات عن دخيلة وعن شطح وعن حوار. عالم تعجز
فيه اللغة ـ اللغات عن إنتاج كلامها كما يعجز فيه كل متكلم عن الكلام مع
ذاته ومع سواه. ذلك ما لا نراه بسهولة ونحن نعيش في زمن يهدّد لغات فيما هو
يهدد الكلام الذي يديم الكلام.

عولمة متعددة
القصيدة، إذن، في زمن العولمة.
ولكنها، تدقيقاً، في زمن النزوع الى تمكين أكبر المجموعات المالية ـ
الاقتصادية من التفرّد بالأرض وأهلها، باسم صراع الحضارات ومحاربة الإرهاب،
الذي له، هذه المرة، سمات حرب الديموقراطيات ضد الإرهاب الإسلامي. عولمة
متعددة الرؤوس لانتصار الحروب. إحراق الذاتيات والمصائر، رمي اللغات على
جوانب الطرق السيارة للمنفعة والامتياز، تكديس الثقافة في مخازن السلع
تبعاً للعرض والطلب. كل هذا يجعل القصيدة أمام تهديد الإنساني فينا وبيننا،
هذا الذي يحافظ الكلام الشعري عليه، العصيّ على المنفعة والامتياز،
المتمرد على مخازن السلع. ليس الشعر كلاماً مضافاً الى الوجود ولا هو كلام
مضاف الى المعنى. إنه الوجود والمعنى في آن. ولأنه ليس مضافاً فإن حذفه أو
الاستغناء عنه يؤدي الى حذف الوجود والمعنى أو الاستغناء عنهما.

لهذا يكون مصير القصيدة، مصير
الكلام، أبعد من القصيدة ومن الكلام. وهو بخلاف ما تُوهم به خطابات سيادة
الإعلام والاستهلاك. هذه الخطابات تسكت عن فقدان الكلام فيما هي تُعلي من
صراع الحضارات وتتسابق نحو محاربة الإرهاب. مصير مشترك وأنا أنصت الى صوت
القصيدة في القصيدة، مذكّراً بأن القصيدة كلام يديم الكلام. كذلك كانت
وكذلك عليها أن تبقى. استراتيجية مواجهة لا تتنازل فيها القصيدة عن ديمومة
الكلام، الذي هو تسمية الإنساني، في لغتي ولغتك، في حضارتي وحضارتك،
مشتركاً تُدركه القصيدة، كلاماً يديم الكلام.

على الشاعر ألاّ يرتاب في هذا
الصوت، صوت القصيدة الذي كان على الدوام لها، وهو يأخذ صيغة لم تكن له من
قبل. عدم الارتياب يُفيد أن رهان الشعر، اليوم، هو بقاء القصيدة في مكان
مقاومة يوجّهها مصير الكلام. مشتركاً. قابلاً للتقاسم مثلما هو قابل
للتعدد. مقاومة سراديبية، تستجيب لصوت القصيدة في القصيدة، حتى يستطيع
الكلام أن يُديم الكلام، شطحاً هو الإبداع، الوحي، حواراً بيني وبينك، بيني
وبين العالم، بيني وبين المحجوب، مستقبلاً يتكلم، مستقبل الكلام. ألاّ
يرتاب الشاعر في هذا الصوت الآتي من مستقبل القصيدة فيما هو من بعيدها،
الأبعد، يأتي. صوت يقاوم الزمن الذي يهدّد الكلام بأن ينقطع، مُعلناً عن
انتصار كلام الدمار، الإعلام، المنفعة، الامتياز، اللاكلام، الحبسة. وفي
الحبسة جميع أسماء العنف التي ينتخبها انتفاء الحوار.

إنه وضع جديد للكلام في زمن
العولمة. وضع كلام ينتفي فيه الإبداع، الشطح، اللقاء، الحوار. وهو ما يمنع
الكلام من أن يُديم الكلام، ويمنع الكلام من المستقبل مثلما يمنع المستقبل
من الكلام. رهان القصيدة صوتها. المقاومة. على أن تعيين مكان المقاومة هو
ما على القصيدة ألا تخطئه. فالتعيين يتم في زمن يختلف عن الأزمنة السابقة.
ومكان المقاومة الذي على القصيدة أن تعيّنه اليوم هو الكلام الذي يُديم
الكلام، حتى تبقى القصيدة تستحق تسمية القصيدة وحتى يبقى الكلام يديم
الكلام. على الشاعر ألا يرتاب في الصوت. وألاّ يخطئ في تعيين المكان. وجهاً
لوجه. بين الشاعر ومصير القصيدة، الكلام.

مكان المقاومة، هنا، يعني أنه مكان
لغة الميراث الثقافي. ذلك هو البدء. ما قبل البدء. في زمن تعمل فيه المنفعة
والامتياز على هجران لغة الميراث الثقافي، في بلاد لا تملك ما تدافع به عن
حرية اختيار مصيرها. بقاء القصيدة في مكان لغة الميراث الثقافي ممارسة
تقاوم بها القصيدة ما يمنع الشعوب من كلامها، تدميراً وإتلافاً وهجراناً.
فالقصيدة، اليوم، مطالبة بوعي ضرورة أن تحافظ على لغة ميراثها الثقافي
بالمحافظة على الأساسي، محجوب اللغة، كل لغة، سرّ الوجود والمعنى، سرّ
الذات والمصير. لنا أن نتذكر ما كان كتبه هيدجر: "لقد غيّر الإغريق دينهم
دون أن يغيّروا لغتهم. من يغيّر لغته يغيّر محجوبه". ذلك هو شأني أنا
أيضاً. بقاء القصيدة، قصيدتي، في مكان مقاومة ما يجعلني أغيّر لغتي، يمنع
عني لغة ميراثي الثقافي. أقصد لغتي العربية، التي أعيشها في المغرب نفياً
لمحجوب به أرى العالم، أكون حياتي وموتي.

بهذه اللغة أكتب، من صباح لصباح.
عمل يتبع أسرار المحجوب، يستكشف اللانهائي والمجهول، في كلام يُنتج المعنى
ويحافظ عليه، لغة عربية حديثة. ذلك ما يسمح للفعل الشعري بأن يوجّه هذه
اللغة نحو خارجها، العالم الذي تعيش فيه. إذ عملي وعملك. عمل كل شاعر لا
يتنازل، في زمن اختيار المنفعة والامتياز، عن العزلة في اللغة وفي الكتابة.

المحو
وهو مكان الشطح. منه يأتي الكلام
متموّجاً، بمعناه اللانهائي. غامضاً، موحياً. شطح ينقل اللغة الى حيث لا
أنت تعرف ولا أنت تدري ما يُفعَل بك وبها. الشطح قوة تخترق الكلام بما لا
يتكرر ولا يتشبّه. نسيان لما علمت ومحو لما كتبت، كما كان لصوت ابن عربي أن
يأمُر. في فعل المحو ينشأ كلام هو بداية نفسه، كتابة على صفحة، متعددة.
أصوات تتجاوب في أفق لا ينتهي. ما لا يتكرر وما لا يتشبّه في القصيدة. كل
الحدود التي كانت سابقة على القصيدة في القصيدة تنتفي. لا شيء قبلها ولا
بعدها. فيها، في الكلام ذاته. سجلات الكتابة تتبع ما ينتفي معه وهْمُ الفصل
بين الشعر والنثر، بين البياض والسواد، بين الأنا والأنت، بين التركيب
والاستعارة، بين الإيقاع والفكرة. شطح يزوبع الحدود من أجل حدود القصيدة في
القصيدة، مجهولة على الدوام ولا نهائية. ومن الشطح معرفة تنشأ في القصيدة.
معرفة مختلفة. هي نار المسافر في زمهرير الوحدة. هي العين التي لا تخشى من
رؤية المأسوي، شاهدة عليه.

لكنه أيضاً مكان الضيافة. ضيافة
لغات، ثقافات، حضارات، نقلاً للكلام الى الحوار مع ماضيه ومستقبله في آن،
مع الذات ومع الآخر، حواراً لانهائياً على طريق إنتاج فائض المعنى
والمحافظة عليه. منطق الضيافة هو نفسه الذي كان ضرورة الشعر، الشعري.
فالشعر يتنافى وصراع اللغات، الثقافات، الحضارات. إنه رؤية مختلفة للتاريخ
الانساني، بين الشرق والشرق، بين الشرق والغرب، بين الغرب والغرب. فالصراع
الحضاري تعبير عن قيم حربية ومنفعية، فيما الشعر يعتمد أخلاقيات الحوار،
التي هي أعلى أشكال الضيافة. إن الحوار اختيار الحر، الجميل، الغامض، وهي
قيم القصيدة التي تدافع عن الانساني، بخلاف السياسة التي تدافع، هنا والآن،
عن المنفعة والامتياز، دونما اعتبار لسواهما.

ذلك هو المنطق الذي قاد رامبو عندما كتب: "كنت أعود الى الشرق والى حكمته الأولى والخالدة".
وها هي خطابات العولمة وصراع
الحضارات ومحاربة الارهاب تدفع، اليوم، من جهتها بالخطاب الاستشراقي الى
أقصى نقطة من التحريض على محاربة الاسلام، على الاستعباد والدمار.

ضيافة لغات، ثقافات، حضارات، في
القصيدة تشتغل في غفلة عن الشاعر أو هو ينحرف عن مسارها. تلك الضيافة كانت
القصيدة العربية حافظت عليها في تاريخها القديم، بين دمشق وبغداد، بين
القاهرة والقيروان، أو بين قرطبة وفاس. وهي كذلك كانت، اختياراً لوجود
ومعنى، في زمننا يختار لي صراع الحضارات ويعتقلني في متخيل الارهاب. مكان
الضيافة يجب أن تحافظ القصيدة عليه، مقاومة لما يرغمها على أن تكون وجهاً
لحضارة التدمير. في هذا المكان يمكن للشاعرين، العربي والأوروبي، أن يفتتحا
حواراً في القصيدة وعنها، لأجل رؤية تتخلص من نسيان تاريخ مشترك فيما هي
تعلن عن مصاحبة في الأبعد من الشعري، دليلاً على التواضع أمام القصيدة.

وظائف
وظائف للمقاومة توضح استراتيجية
ممكنة للشعر، للقصيدة، هي الكلام الذي يديم الكلام، في عالم كما هو أيضاً
سيبقى. منطق الحرب والغنيمة، منطق المنفعة والامتياز، منطق الصراع الذي
يختار كل مرة فريسته. عولمة تأتي بعد أوروبة العالم وفق نمط الثقافة
اللاتينية وقيمها. هذا هو تاريخنا، زمننا. كل شيء سيحافظ على مكانه. العنف.
الجبروت. لكن صوت القصيدة يأمر القصيدة بالمحافظة على مكان مقاومة ما يمنع
الكلام من أن يديم الكلام. ما يقطعه عن المستقبل. والقصيدة عندما تختار
مكان كلام الابداع، الشطح، الحوار، فهي تختار للكلام أن يدوم. في لغتي
ولغتك. تصر على أن يبقى الانساني نفسه فعلاً مقاوماً. لا يتأسى. يتأمل،
ينصت وفي كل يوم، كل الأيام، يتابع الفعل الأولي، ديمومة الكلام.

من هنا تبدو مهمة الشاعر صعبة وشاقة
في تعيين مكان القصيدة وفي الدفاع عن هذا المكان. لذلك فإن أخلاقية
القصيدة، اليوم، وهي تتمحور في الكلام الذي يديم الكلام، تعني، أنها الشعري
المنفتح على الديمومة، بل هي تفيد الحوار، الذي يؤدي الى انتاج فائض معنى
مشترك لزمننا. مقاومة ما يعارض الانساني ويتعارض معه.

إنه حوار بالكلام في أفق انفتاح
الكلام على نفسه وعلى سواه، أي الكلام الذي يلتقي فيه عالمان، رؤيتان
للعالم، إرادة في البقاء جنباً الى جنب، في مصاحبة السابق، الأسبق،
الانساني. على هذا النحو كتب هانز جورج غدامير: "عندما يلتقي انسانان ويكون
ثمة تبادل، فهما دائماً بصيغة ما عالمان، نظرتان الى العالم وصورتان
للعالم، يتقدمان الواحد تجاه الآخر".

انسانان، كلامان، لغتان. ومن ثم فإن
الشعر، الذي هو كلام المحجوب والانساني في آن، يمتلك القدرة بما هو كذلك،
على تفنيد ما أصبح متداولاً في خطاب هنتغتون بصراع الحضارات، أو ما أصبح
متداولاً في الخطابين السياسي والاعلامي، اللذين لا يتخليان عن استعمال
كلمة الارهاب مقرونة بالاسلام.

إن قراءتنا للتاريخ البشري، من خلال
الشعري، يثبت أن الشعر يمتلك قدرة خفية لخلق الحوار كلما كان كلاماً
للمحجوب والانساني. ولنا في البحر الأبيض المتوسط ما نريد من الأمثلة. لنعد
قليلاً الى العصور الوسطى، والى العلاقات الثقافية الشعرية بين الأندلس
وأوروبا من خلال التروبادور، مثلاً. هذه العلاقة، التي جاءت في زمن الحرب
المسيحية على كل من اليهود والمسلمين الأندلسيين (إذ لم يكن عرب يعيشون في
الأندلس بعد مضي ثمانية قرون على وجودهم مختلطين مع سواهم. فالأندلسيون هم،
قبل كل شيء، أبناء الاختلاط الاثني). هذه العلاقة تبرز لنا كيف أن الشعر
كان أقوى من الحرب المسيحية، التي فككها نيتشه، وكان أبعد في انتصار القيم
الانسانية الكبرى من الحضارة الأندلسية الى الأنوار الأوروبية، في باريس
نفسها بدءاً، ثم في إيطاليا وبقية بلاد الضفة الشمالية للمتوسط.

هذه هي قوة الشعر عندما يكون كلاماً
يديم الكلام، عندما لا يتخلى عن صوت القصيدة في القصيدة، عن الحوار
والضيافة والصداقة، وهو ما تحتاج إليه القصيدة في زمن ينفي الكلام، يمنعه
من إنتاج فائض معنى مشترك، ينفيه مثلما ينفي لغات، هي حياة شعوب وموتها.
وتحتاج إليه القصيدة أيضاً في زمن يرتفع فيه صوت صراع الحضارات على الحوار
بينها، ويتركز نذير الحرب على الارهاب في نذير الحرب على الاسلام. قوة
الشعر من قوة القصيدة. قوة اختراق الانساني فينا ليكلم كل واحد منا سواه
بحثاً عن الحوار، الضيافة، الصداقة.

كلام يديم الحوار. فالقصيدة تظل في
مكان الحوار مجسدة له بما يمس كلاً من اللغة والمتخيل على السواء. يفيد
الحوار أن لغة الموروث الثقافي تنبثق على الدوام، من شطح الكلام، القصيدة.
وهو يفيد أيضاً أن الكلام رؤية للذات والآخر، متخيّل في حالة صيرورة. حوار
تتسمى به القصيدة إبداعاً للكلام، إنتاجاً لفائض معنى مشترك للانساني،
يتكلم في المستقبل، يديم المستقبل المتكلم.

مصير القصيدة، مصير الكلام، كل
منهما يصاحب سواه، في زمن يعرّض الكلام للانقطاع عن نفسه، عن الذات وعن
الآخر، عن المستقبل. ورهان القصيدة هو القدرة على البقاء في مكان الكلام.
مقاومة لما يمنع عنك وعني الكلام، مطراً منهمراً، متدفقاً، لا يخطئ مكان
النزول، الظاهر والمحجوب، مشتركين. ونحن معاً نرحل الى حيث يرحل الكلام،
الى الحوار، الضيافة، الصداقة، ليترك مستقبل الكلام مستقبلاً، ويهب الكلام
ما هو أبعد من الكلام، والشعر ما هو أبعد من الشعر، زمناً للقصيدة في
مستقبل يظل مستقبلاً، لا نهائياً، مستحيلاً. الى هذا المستقبل المستحيل كان
المتنبي يرحل ليلاً بعد ليل، في القصيدة وبالقصيدة، كما كان يكتب:

أريد من زمني ذا أن يبلغني
ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
ما ليس يبلغه الزمن من الزمن، في
الزمن، حاضراً ومستقبلاً، مطلقاً، هو ما يشدنا الى حياة تلمع أضلاعها
اللانهائية، في صمت نكاد نفتقد كثافته في يوم الضجيج المتلف للوجود والمعنى
معاً. ذلك المستحيل، الذي لا يدل عليه الشاعر بل يشير، موحياً، وحياً، هبة
لنا، شطحاً في حياة وموت، هو ما يترك الكلام حواراً بيننا، رحيلاً الى ما
لا يبلغه الزمن، مطلقاً، به نختار حياة مثلما نختار موتاً، لنا، ذاتاً لها
حرية أن تختار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.itemvn.com
أميرة البحار
عضو فعال
عضو فعال
أميرة البحار


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 1891
نقاط : 12695
السٌّمعَة : 19
سجل في: : 23/11/2010
الموقع أجمل موقع

 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس    مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Icon_minitimeالثلاثاء 5 يوليو 2011 - 16:11

شكرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جنة15
عضو مشارك
عضو مشارك
جنة15


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 769
نقاط : 11202
السٌّمعَة : 3
سجل في: : 21/10/2010

 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس    مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Icon_minitimeالثلاثاء 5 يوليو 2011 - 17:24

شكراااااااااااااا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




 مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس    مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس Icon_minitimeالأربعاء 6 يوليو 2011 - 14:45

شكراااااااااااااااااااا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مصير القصيدة .. مصير الكلام/محمد بنيس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أبو الحسن التعليمية :: منتدى الأدب و الشعر :: الشعر الفصيح -
انتقل الى: