مبررات الجهاد الإسلامي :
و قد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهات ، و أبانوا فرية النصارى فيها ، فالمسلمون لم يأمروا أحداً باعتناق الإسلام قسراً ، كما لم يلجئوا الناس للتظاهر به هروباً من الموت أو العذاب ، إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المكره لا قيمة له في أحكام الآخرة ، وهي التي يسعى لها كل مسلم ويحفد ، ولم يكرهون الناس على الإسلام ولم يجعل الله إليهم وإلى الأنبياء من هداية البشر سوى البلاغ ، وكيف يكرهون الناس على الإسلام و القرآن يقول { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } ، و يقول { و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } و يقول تعالى { قل الله أعبد مخلصاً له ديني * فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .
و عندما خرجت كتائب الجهاد الإسلامي ما كان خروجها لقهر الناس و إجبارهم على اعتناق الإسلام إنما كان لتحرير الإنسان و تحييد القوى الظالمة التي قد تحول بينه و بين الإسلام.
و أوضح القرآن بجلاء مبررات الجهاد الإسلامي { و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنك ولياً و اجعل لنا من لدنك نصيراً } ، و يقول تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودا فقد مضت سنة الأولين * و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * و إن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى و نعم النصير } .
و يفسر سيد قطب معالم المنهج الذي أوضحه القرآن فيقول: "لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام ، و بالبيان و بالحركة مجتمعين ، و أن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله…و التي تحول بينهم و بين الاستماع إلى البيان و اعتناق العقيدة بحرية لا يتعرض لها السلطان…إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته ، و لكن الإسلام ليس مجرد عقيدة .
إن الإسلام - كما قلنا - إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، فهو يهدف ابتداءً إلى إزالة الأنظمة و الحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، و عبودية الإنسان للإنسان، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً بالفعل في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم بعد رفع الضغط السياسي عنهم ، و بعد البيان المنير لأرواحهم و عقولهم"و إيماناً بهذا المنهج خرج دعاة الإسلام يحملون البيان و يحمونه بسيوفهم و كثيراً ما سبق بيانهم سيوفهم فوصل الإسلام إلى أندنوسيا و نيجيريا و غيرها و لما يصل إليها جيش مسلم .
و أما البلاد التي وقف حكامها في وجه بيان الإسلام فقد أوهنتها مطارق الإسلام و هي تدعو لإحدى ثلاث الإسلام أو الجزية أو الحرب ، فاختار الإسلام أهل سمرقند و غيرهم ، فأضحوا إخواننا لهم ما لنا ، و عليهم ما علينا ، و اختار أهل حمص الجزية فقام المسلمون بحمايتهم و بإيصال البيان إليهم ، فدخلوا في دين الله أفواجاً ، و وقف آخرون يريدون حجب الحقيقة ، فأتم الله دينه و أظهره عليهم ، فاندكت جحافل الباطل ، و غدا الناس أحراراً في اختيار العقيدة التي يريدونها ، فدخل الناس في دين الله أفواجاً من غير إكراه و لا إجبار، فالإسلام قاتل الدول التي تحول بين الإسلام و بين شعوبها ، و لم يكره تلك الشعوب على اعتناق الإسلام ، بل أقام العهود و المواثيق التي تكفل حرية التدين ، و من ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس ، وفيها : " هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين - أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم و أموالهم و لكنائسهم و صلبانهم و سقيمها و بريئها و سائر ملتها : ألا تسكن كنائسهم و لا تهدم ، و لا ينتقض منها، و لا من خيرها ، و لا من صليبهم و لا من شيء من أموالهم ، و لا يكرهون على دينهم و لا يضار أحد منهم…و من أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه و ماله مع الروم و يخلي بيعهم و صلبهم (هكذا) فإنهم على بيعهم و صلبهم و أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم.
و من كان من أهل الأرض ( الروم و غيرهم من الأجناس ) فمن شاء منهم قعد ، و عليه مثل ما على إيليا من الجزية ، و من شاء سار مع الروم ، و من شاء يرجع إلى أهله ، و إنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم ، و على ما في هذا الكتاب عهد الله ، و ذمة رسوله، و ذمة الخلفاء ، و ذمة المؤمنين" .
فقد ضمن عمر في عهدته سلامة أماكن العبادة كما ضمن حرية المعتقد ، و بمثل هذا النحو كانت سائر فتوح المسلمين.
و أضحى أهل تلك البلاد أهل ذمة يوصي رسول الله بهم فيقول : " لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم فيتقوكم بأموالهم دون أنفسهم و ذراريهم ، فيصالحونكم على صلح ، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك ، فإنه لا يصلح لكم " .
و يقول أيضاً موصياً أصحابه :" انطلقوا باسم الله و بالله ، و على ملة رسول الله ، لا تقتلوا شيخاً فانياً ، و لا طفلاً صغيراً ، و لا امرأة ، و لا تغلُوا، و ضمنوا غنائمكم ، و أصلحوا و أحسنوا إن الله يحب المحسنين" .
و قال صلى الله عليه وسلم " من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " ، ويقول "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، و إن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " .
و لما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب قال :" أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، و أن يوفي لهم بعهدهم ، و أن يقاتلوا من ورائهم ، و ألا يكلفوا فوق طاقتهم " .
وقد وفى المسلمون بذمة نبيهم ، فأعطوا أهل الذمة حقوقهم ، وينقل ترتون في كتابه " أهل الذمة في الإسلام " شهادة بطريك " عيشو بابه " الذي تولى منصب البابوية حتى عام 657هـ:" إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون. إنهم ليسو بأعداء للنصرانية ، بل يمتدحون ملتنا ، و يوقرون قديسينا و قسسنا ، و يمدون يد العون إلى كنائسنا و أديرتنا " .
و بمثل هذا العدل عاشت الأمم المختلفة في ظل الإسلام و دولته ، فبقي الهندوس أغلبية في الهند التي حكمها المسلمون قرابة ألف عام ، و ما يزال بين ظهراني المسلمين ما يقرب من 14مليون عربي مسيحي ، فكل ذلك شهادة ببراءة المسلمين من إجبار الأمم على اعتناق الإسلام.
و يقول المؤرخ درايبر في كتابه " النمو الثقافي في أوربا " : " إن العرب لم يحملوا معهم إلى أسبانيا لا الأحقاد الطائفية ، و لا الدينية و لا محاكم التفتيش ، و إنما حملوا معهم أنفس شيئين في العالم ، هما أصل عظمة الأمم: السماحة و الفلاحة".
و يقول غوستان لوبون في كتابه حضارة العرب: " إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن ، و إن العرب تركوا المغلوبين أحراراً في أديانهم…و الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب ، و لا ديناُ سمحاً مثل دينهم ".
و يقول السير توماس أرنولد: " لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، و استمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، و نستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار و إرادة حرة ، و إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح "، ويقول مفسر القرآن جورج سيل: " و من قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط ، فقوله تهمة صرفة ، لأن بلاداً كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف، و شاع الإسلام ".
شرعة القتال في الإسلام والنصرانية :
و القتال شريعة جعلها الله لإبطال الباطل و إحقاق الحق و حماية الدين { و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً } .
ولا يستغرب صدور الأمر بقتال الكفار ممن أعد لهم في الآخرة ناراً تلظى ، وأمر بقتل كل من يذبح للأوثان ( انظر الخروج 22/20 ) ، وأمر بقتل 23 ألف رجل عبدوا العجل ( انظر الخروج 32/ ) ، وأمر بقتل من عمل بالسبت ( انظر الخروج 35/2 )
و قد أمر الله أنبياءه بحمل السلاح لمواجهة عدوهم ، و تحكي التوراة عن مذابح يشيب لها الولدان ارتكبها بنو إسرائيل في حربهم المقدسة ضد أقوام من الوثنيين ، فمما تنسبه التوراة لله عز وجل أنه قال لموسى " إذا دنوت من القرية لتقاتلهم ادعهم أولاً بالصلح…فأما القرى التي تعطى أنت إياها فلا تستحي منها نفساً البتة، و لكن أهلكهم إهلاكاً كلهم بحد السيف الحيثي و الأموري و الكنعاني و الفرزي… كما أوصاك الرب إلهك " (التثنية 20/10-17) فالنص يتحدث عن أحكام القتال التي شرعت لبني إسرائيل ، و في نص آخر " إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي تدخل لترثها و بيد الشعوب الكثيرة من قدامك الحيثي و الجرجاني و الأموراني و الكنعاني و الفرازي و الحواي و اليبوساني سبعة أمم أكثر منكم عدداً و أشد منكم ، و أسلمهم الرب إلهك بيدك ، فاضرب بهم حتى أنك لا تبقى منهم بقية ، فلا تواثقهم ميثاقاً و لا ترحمهم ، و لكن فافعلوا بهم هكذا : مذابحهم فاخربوها ، و اكسروا أصنامهم…" (التثنية7/1-5) فعلم من النص أن بني إسرائيل أمروا بقتل سبع أمم أكثر عدداً منهم .
يقول القسيس مريك في كتابه" كشف الآثار" :" علم من الكتب القديمة أن البلاد اليهودية كان فيها… ثمانية كرورات ( أي ثمانون مليوناً ) من ذي حياة "، و قد أمر بنو إسرائيل بقتلهم ، و عليه فلا يجوز للنصارى الاعتراض على جهاد المسلمين ، فقد أذن للأنبياء قبله ، ثم أذن له صلى الله عليه وسلم.
و تتحدث التوراة أيضاً عن تنفيذ بني إسرائيل للأمر كما في سفر المجازر ( يشوع ) فقد قتلوا حتى النساء و الأطفال و الحيوان ، و في سفر القضاة أن شمشون أخذ فك حمار… و قتل به ألف رجل ( القضاة 15/15 ) ، و تذكر التوراة أن داود لما سار إلى رابة، و انتصر على أهلها صنع فظائع " و الشعب الذين كانوا فيها أخذهم و نشرهم بالمناشير و داسهم بنوارج حديد ، و قطعهم بالسكاكين ، و أمرّهم في أتون الآجر، كذلك صنع بجميع قرى بني عمون" (صموئيل(2) 12/31).
و مثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم فما كانوا يقتلون النساء و لا الأطفال و لا الدهماء من الناس ، و يجدر أن نذكر بوصية الصديق حيث قال لأسامة بن زيد و جنده:"لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا ، و لا تقتلوا طفلاً و لا شيخاً كبيراً و لا امرأة ، و لا تعزقوا نخلاً و لا تحرقوه ، و لا تقطعوا شجرة مثمرة ، و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لا بعيراً إلا للأكل.و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له …."
و لما جاء المسيح عليه السلام أكد على مشروعية القتال فقال: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض،ما جئت لألقي سلاماً ، بل سيفاً"( متى 10/34 ) ، و طلب من أتباعه الاستعداد للدفاع عنه و القتال: " من له كيس فيأخذه ، و من ليس له فليبع ثوبه و يشتري سيفاً " ( لوقا 22/26 )، و قال :" أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أُملَّك عليهم ، فأتوا بهم إلى هنا ، و اذبحوهم قدامي " ( لوقا 19/27 ) ، لكن ذلك لم يتم للمسيح.
و أما المقالة التي يتشدق بها دعاة السلام المسيحيين" لا تقاموا الشر ، بل من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ، و من أراد أن يخاصمك يأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً…" (متى 5/39-42)فهذا محض سراب لم يحققه النصارى بكنائسهم المختلفة يوماً واحداً .
الاضطهاد الديني وانتشار النصرانية :
و ينطبق على النصارى المثل " رمتني بدائها و انسلت " ، إذ أن سبب انتشار النصرانية هو السيف الذي سلطته على الشعوب المختلفة ، و قد بدأ سيف القهر عندما تنصر قسطنطين الوثني في بدايات القرن الميلادي الرابع و قال له بطريرك القسطنطينية : " أعطني الدنيا و قد تطهرت من الملحدين أمنحك نعيم الجنة المقيم ".
و يذكر القس مريك في كتابه " كشف الآثار " أن قسطنطين أمر بقطع آذان اليهود ، و أمر بإجلائهم إلى أقاليم مختلفة.
و في نهاية القرن الرابع وضع الامبراطور تيودسيوس ستاً و ثلاثين مادة لمقاومة اليهودية و الهرقطة ، و حظر عبادات الوثنيين ، و أمر بتحطيم صورهم و معابدهم . و في عام 379م أمر الامبراطور فالنتيان الثاني بتنصر كل رعايا الدولة الرومية ، و قتل كل من لم يتنصر، و اعترف طامس نيوتن بقتل أكثر من سبعين ألف.
و يقول غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " :" أكرهت مصر على انتحال النصرانية ، و لكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي " .
و في القرن الخامس كان القديس أوغسطين يقول بأن عقاب الملحدين من علامات الرفق بهم حتى يخلصوا ، و برر قسوته على الذين رفضوا النصرانية بما ذكرته التوراة عن فعل يشوع وحزقيال بأعداء بني إسرائيل الوثنيين ، و استمر القتل و القهر لمن رفض النصرانية في ممالك أوربا المختلفة ، و منها مملكة أسبانيا حيث خيروا الناس بين النصر أو السجن أو الجلاء من أسبانيا ، و ذكر القس مرّيك أنه قد خرج من أسبانيا ما لا يقل عن مائة و سبعين ألفاً .
وفي القرن الثامن اعتيد فرض المسيحية في شروط السلام والأمان التي تعطى للقبائل المهزومة.
و قريباً من ذلك العنف كان في فرنسا، فقد فرض الملك شارلمان النصرانية بحد السيف على السكسون ، و أباد الملك كنوت غير المسيحيين في الدانمارك ، و مثله فعل الملك أولاف (995م) في النرويج و جماعة من إخوان السيف في بروسيا.
و لم ينقطع هذا الحال فقد أمر ملك روسيا فلاديمير (988م) بفرض النصرانية على أتباع مملكته.
يقول المؤرخ بريفولت: إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليوناً. و يلفت شلبي النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.
و لما تعددت الفرق النصرانية استباحت كل من هذه الفرق الأخرى و ساموا أتباعها أشد العذاب ، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع خليقدونية عذبهم الرومان في الكنائس ، و استمرت المعاناة سنين طويلة ، و أحرق أخ الأسقف الأكبر بنيامين حياً ثم رموه في البحر. فيما بقي الأسقف متوارياً لمدة سبع سنين ، و لم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر و رحيل الرومان عنها.
و كتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: " إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل ، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين ، و إذ تكبدنا بعض الخسائر لأن الكنائس التي انتزعت منا و أعطيت لأنصار مجمع خليقدونية بقيت لهم، إلا أننا قد أصابنا القليل بتحررنا من قسوة الرومان و شرورهم ، و من غضبهم و حفيظتهم علينا. هذا من جهة ، و من جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا " ، و كان جستيان الأول (ت565) قد قتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتي ألف قبطي.
كما تعرض الموحدون النصارى للنفي و القتل في العصور مختلفة من تاريخ النصرانية فاضطهد آريوس و أتباعه و حرق سرفيتوس و …واستمر القتل والتنكيل حتى كاد أن يندثر الموحدون من النصرانية .
و كان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني خاصة في الأندلس التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش حتى فر من استطاع الفرار إلى المغرب .
و يكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه" حضارة العرب "حيث يقول عن محاكم التفتيش: " يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع ، و اقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد ، بما في ذلك النساء و الأطفال ، و هكذا تم قتل أو طرد و ثلاثة ملايين عربي"و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه ، و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف ، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى ، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم.
و قد تعرض المسلمون - سوى مذابح الأندلس - إلى مذابح عدة ليس هذا مجال ذكرها، منها مذبحة معرة النعمان ثم مذبحة الأقصى و غير ذلك،ونكتفي هنا بنقل ماذكره المؤرخ جيبون عن مذبحة القدس التي رافقت دخول الصليبيين : " إن الصليبيين خدام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في 15/7/1099م أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم ، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء …حطموا رؤوس الصبيان على الجدران ، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل ، وشووا الرجال والنساء بالنار…".
و قريباً من هذه المذابح جرى بين المذاهب النصرانية ، فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها مذبحة باريس (1572م ) و قتل فيها و أثرها ألوف عدة وسط احتفاء البابا و مباركته ، و مثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد المملكة أليصابات حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة ، و أعدمت 104 من قسس الكاثوليك ، و مات تسعون آخرون بالسجن ، و هدمت كنائس الكاثوليك أخذت أموالهم.
و كانت الملكة تقول: " بأن أروح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً ، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض " .
و عليه نستطيع القول بأن النصرانية يرتبط تاريخها بالسيف و القهر الذي طال حتى أتباع النصرانية غير أن الاضطهاد النصراني يتميز بقسوة و وحسية طالت النساء و الأطفال و دور العبادة.
و قد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية و رجالاتها و كانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم و تأمر بقتل المخالفين ، و من ذلك أن البابا اينوشنسيوس الثالث (ت1216م) يقول :" إن هذه القصاصات على الأراتقة ( الهراقطة ) نحن نأمر به كل الملوك و الحكام ، و نلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية " و في مجمع توليدو في أسبانيا قرر أن لا يؤذن لأحد بتولي الملة إلا إذا حلف بأن " لا يترك غير كاثوليكي بها ، و إن خالف فليكن محروماً قدام الإله السرمدي، و ليصر كالحطب للنار الأبدية ".
و قد أكد هذا قرار المجمع اللاتراني حيث طلب من جميع الملوك و الولاة و أرباب السلطة " فليحلفوا أنهم بكل جهدهم و قلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة ، و لا يتركون أحداً منهم في نواحيهم ، و إن كانوا لا يحفظون هذا اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم ."
و هكذا رأى علماؤنا مظلمة النصارى لهذا الدين بهذه الشبهة التي هم أولى بها فما كان جهاد المسلمين قتلاً للنساء و الأطفال كما لم يكن لإجبار الناس على اعتناق الإسلام ، بل كان رحمة للأمم من جلاديها، و إزالة لطواغيت الأرض الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ، و أبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره ذلك المشركون.
ثانياً : شبهات النصارى حول وضع المرأة في شرائع المجتمع المسلم
و يلمز النصارى وضع المرأة في المجتمع المسلم، و يرون في بعض شرائعه انتقاصاً لها ، و من ذلك تعدد الزوجات حيث يقول القس شروش:" يسوع أعلن أن الذي خلقهم من البدء خلقهم رجلاً و امرأة ، و لو أراد الله الرجل أن تكون له أربع زوجات لخلق من البدء أكثر من حواء " .
و يقول القس سويجارت مفاخراً بتشريع الكنيسة في قصر الزواج على واحدة : " المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط ، و لذلك ارتضي أفضلهن من أول قذيفة " .
و تقول منظمة الآباء البيض في رسالتها لرابطة العالم الإسلامي و هي تعتب القول بتفوق الرجال على النساء فتقول :" لماذا يقبل تفوق جنس على آخر؟ و هو مانراه من خلال النقاط التالية:
1- قبول تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج.
2- إمكانية هجر الرجل لزوجته دون أن يقدم تبريراً لعمله (يقصد الطلاق).
3- الأب حق الوصاية أو الولاية على الأبناء دائماً و إن كان الأطفال في حضانة الأم…
4- بالنسبة للمواريث نجد أن نصيب المرأة و في أغلب الأحيان هو أقل من نصف حصة الرجل "
ويمضي القس أنيس شروش في عرضه لما يراه مثالب ارتكبها الإسلام بحق المرأة فيقول:"بإمكان الرجل المسلم أن يطلق زوجته دون أن يعطي لذلك سبباً واحداً و من غير إشعار ، فالزوج له السلطة المطلقة الفورية في الطلاق غير القابلة للنقاش ، و يمكنه أن يعلن أمام زوجته أنه يطلقها ثلاث مرات ، فترحل ، ليس هناك امتيازات و لا ترابط شعوري " ، ثم يعرض فيذكر آية القوامة و ما تضمنته من جواز ضرب الناشز ، ثم آية توريث الذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم يقول:" على العكس من ذلك فإن الرب يوصي المسيحيين بحب الزوج للزوجة مثلما أحب المسيح الكنيسة " .
و في الإجابة عن هذه الشبهات أوضح المسلمون موقف الإسلام المكرم للمرأة ، و بينوا ما تعرضت له من انتقاص على يد الجاهليات المختلفة و منها النصرانية المحرفة ، فالوثنيات القديمة العربية و اليونانية و سواها ظلمت المرأة ظلماً كبيراً ، فقد جعلت منها سلعة تباع كسائر المتاع ، و تورث أيضاً إذا مات زوجها كسائر متاع بيتها ، و حرمتها الجاهلية الوثنية من حق الحياة بوأدها طفلة أو تقديمها قرباناً للآلهة إلى غير ذلك من الصور المستبشعة
المرأة في النصرانية :
أما في النصرانية و المجتمع النصراني فكانت الإساءة للمرأة أكبر حيث أكدت النصوص التوراتية على بعض التشريعات التي تحط من قدر المرأة و من ذلك أن النصوص تقر بيعها ، فقد جاء في سفر الخروج " و إذا باع رجل ابنته أمةً لا تخرج كما يخرج العبيد" (الخروج 21/7) ، و في أيام القضاة اشترى بوعز جميع أملاك أليمالك و مالكليون و محلون ،و من ضمن ما اشتراه راعوث المؤابية امرأة محلون (انظر راعوث 4/9-10) ، وتقول التوراة أيضاً " فوجدت أمرّ من الموت : المرأة التي هي شباك ، و قلبها أشراك ، و يداها قيود ، الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها…رجلاً واحداً بين ألف وجدت ، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد " ( الجامعة 7/26-28 ).
و يقرن سفر اللاويين المطلقة و الأرملة بالزانية ، فيعتبرهن دناياً يحرم على الكاهن الزواج منهن (انظر اللاويين 21/10-15) كما يفرض السفر أحكاماً غاية في القسوة على المرأة حال حيضتها حتى أن مجرد مسها ينجس الماس إلى المساء كما ينجس كل من مس فراشها أو شيئاً من متاعها ( انظر اللاويين 15/19-32 ).
و في النصرانية يحمل بولس المرأة خطيئة آدم ، ثم يحتقر المرأة تبعاً لذلك فيقول :" لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ، و لكن لست آذن للمرأة أن تعلّم ، و لا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت، لأن المرأة أغويت ، فحصلت في التعدي " (تيموثاوس(1) 2/11-14) ، و يقول مؤكداً ما يكنه من ازدراء للمرأة "الرجل ليس من المرأة ، بل المرأة من الرجل ، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة ، بل المرأة أجل الرجل " (كورنثوس(1) 11/8-9)
و منذ ألبس بولس المرأة خطيئة الأبوين ، والفكر النصراني يضطهد المرأة و يعتبرها باباً للشيطان ، و يرها مسئولة عن انحلال الأخلاق و تردي المجتمعات البشرية ، و من ذلك يقول القديس ترتليان (ق3) : " إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة لصورة الله (الرجل) "، و يقول أيضاً بعد حديثه عن دور حواء في الخطيئة الأولى:" ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء ؟!…أنتن المدخل الذي يلجه الشيطان..لقد دمرتن بمثل هذه السهولة الرجل صورةَ الله " .
و يقول القديس سوستام عن المرأة : " إنها شر لا بد منه ، و آفة مرغوب فيها ، و خطر على الأسرة و البيت ، و محبوبة فتاكة ، و مصيبة مطلية مموهة "، و يقول القديس جيروم (ق5) في نصيحته لامرأة طلبت منه النصح : " المرأة إذن هي ألد أعداء الرجل ، فهي المومس التي تغوي الرجل إلى هلاكه الأبدي ، لأنها حواء ، لأنها مثيرة جنسياً ".
و يتساءل القديس أوغسطين (ق 5) لماذا خلق الله النساء ؟. ثم يقول " إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطبية، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان كصديقين بدلاً من رجل و امرأة "، ثم تبين له أن العلة من خلقها هي فقط إنجاب الأولاد ، و منه استوحى لوثر فقال: " إذا تعبت النساء أو حتى ماتت فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن في عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك ".
و عقدت الكنيسة مؤتمرات غريبة لبحث أمر هذا الكائن ( المرأة ) ، ففي القرن الخامس عقد مؤتمر ماكون للنظر هل للمرأة روح أم لا ؟ و قرر المؤتمر خلو المرأة عن الروح الناجية . و قال القديس جيروم: " المرأة عندما تكون صالحة تكون رجلاً ".أي شذت عن مثيلاتها الإناث فكانت مثل الرجال .
و في عام 586م عقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة ، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل . و بعد ظهور البروتستانت في القرن السادس عشر عقد اللوثريون مؤتمراً في وتنبرج لبحث إنسانية المرأة .
و قد انعكست هذه الصورة القاتمة للمرأة على القوانين المدنية و التي كانت تفرض غير بعيد عن رأي القسس و الأساقفة ، فقد بقيت المرأة في القانون الإنجليزي تباع من زوجها لآخر بست بنسات ، و استمر هذا القانون سارياً حتى عام 1805م ، فيما اعتبر قانون الثورة الفرنسية المرأة قاصراً كالصبي و المجنون ، و استمر ذلك حتى عام 1938م .
و كان قمة الاضطهاد الذي تعرضت له المرأة في ظل سيطرة الكنيسة في القرن السادس عشر و السابع عشر حيث انعكست الصورة السوداوية التي تنظر بها الكنيسة إلى المرأة بظهور فكرة اجتاحت أوربا و هي وجود نساء متشيطنات أي تلبسهن روح شيطانية، فهن يعادين الله ، و يعادين المجتمع ، تقول كارن ارمسترنج في كتابها " إنجيل المرأة " : " لقد كان تعقب المتشيطنات بدعة مسيحية ، و كان ينظر إليها على أنها واحدة من أخطر أنواع الهرطقات…و من الصعب الآن معرفة عدد النساء اللائي قتلن خلال الجنون الذي استمر مائتي عام ، و إن كان بعض العلماء يؤكد أنه مات في موجات تعقب المتشيطنات بقدر ما مات في جميع الحروب الأوربية حتى عام 1914م…يبدو أن الأعداد كانت كبيرة بدرجة مفزعة " .
إذن كان هذا هو موقف النصرانية من المرأة ، و هو صورة قاتمة مغايرة كل المغايرة لصورة المرأة في المجتمع المسلم.
المرأة في المجتمع المسلم :
فالإسلام يقرر إنسانية المرأة إذ هي أصل الإنسان { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى } و يقرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :" إنما النساء شقائق الرجال " و يقرر القرآن أهلية المرأة للإيمان و التكليف و العبادة ، و من ثم المحاسبة و الجزاء { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة * و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } و يقول تعالى { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } .
و يجعل القرآن الكريم آدم و زوجته شريكين في الخطيئة الأولى و التوبة منها، شريكين في جزائها { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكون من الخاسرين } و رغم ذلك فإن أحداً سواهما لن يحاسب على فعلهما { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون } و قد نعى الله على الجاهلية كرهها لميلاد البنت { و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً و هو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه بالتراب ألا ساء ما يحكمون } .
و قد أوصى الإسلام بالمرأة مولوداً فحذر من وأدها { و إذا المؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت } ، و أمر بالإحسان إليها بنتاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من بلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" و ذكر ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر منهم " الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ، و يؤدبها فيحسن أدبها ، ثم يعتقها فيتزوجها ، فله أجران " .
كما أمر الله و رسوله بالإحسان إلى الأم في نصوص كثيرة خصت في بعضها بمزيد تأكيد عن الأب.
و أما كون المرأة زوجاً فذاك عقد منح القرآن المرأة فيه أهلية التعاقد ، فجعلها صاحبة الحق في أمر نكاحها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد تنكح زوجاً غيره } و يقول { و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .
و قد جعل الله عز و جل مهرها حقاً لها تتصرف فيه وفق مشيئتها لكمال أهليتها في التصرف { و آتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي دفع المهر إليها من الكرامة ما لا يخفى ، و جعل الله لها من الحقوق على زوجها ما يناسب دورها { و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة } ، و هذه الدرجة ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال ، بل هي لما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته و دوره في المجتمع كما قال تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } .
و يحث القرآن على الإحسان إلى الزوجة و حسن العشرة لها حتى عند كراهيتها { و عاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً } .
و هكذا يظهر الفرق جلياً بين مكانة المرأة في الإسلام و مكانتها في النصرانية
قوامة الرجل على المرأة :
و يشغب النصارى بإثارة بعض المسائل يريدون منها لمز مكانة المرأة في الإسلام و المجتمع الإسلامي، و من هذه المسائل قوامة الرجل على المرأة في عصر يتنادى المتنادون فيه إلى مساواتها بالرجال.
و قد تجاهل هؤلاء وجود فرق في الاستعدادات الفطرية بين الرجال و النساء ، فكل أعطي من الخصائص ما يتناسب و دوره في الحياة .
فقد جعل الله من المرأة مربية في بيتها لأبنائها تعمل في صناعة الإنسان ، فيما أوكل إلى الرجل أمر ولايتها و الإنفاق عليها ، سواء أكانت فقيرة أم غنية ، و ولايته عليها ولاية رعاية لا ولاية استبداد أو تملك.
و قد أشار بولس إلى هذا التفوق الفطري المستلزم للقوامة فقال: " يا أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب ، لأن الرجل هو رأس المرأة في كل شيء " (أفسس 5/22-24) ، و لم يبين بولس سبب هذا الامتياز للرجال. و يقول: " أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح ، و أما رأس المرأة فهو الرجل " ( كورنثوس(1) 11/3 ) .
و لا يستطيع أحد أن ينكر تمايز كلٍ من الجنسين عن الآخر بخصائص خلقه الله عليها ، و حتى أدعياء المساواة لا يدعون أن قدرات الرجال و النساء واحدة ، و إلا فما تزال دول المساواة تحكم بالرجال دون النساء في سائر مستوياتها السياسية و الاجتماعية من رؤساء و وزراء و برلمانيين و….
ما جاء في ضرب النساء :
و أما ما جاء في إباحة ضرب النساء في قوله { و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } .
فإن ذلك خاص بالمرأة الناشز التي لم ترعو بزجر و لا هجر ، فالضرب غير المبرح أسلوب في معالجة نشوزها ، و هو بكل حال أهون من الوصول إلى حال الطلاق الذي يحرمه النصارى .
هذا و لم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه قط ، بل إنه لما بلغه أن قوماً يضربون نسائهم غضب و قال:" لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها آخر اليوم " ، و لما أتته امرأة تستشيره في أمر زواجها أبان لها علة في أحد خاطبيها فقال: " و أما أبو الجهم فإنه ضراب للنساء " ، و هكذا فإن الضرب المأذون به في شريعتنا ليس لحرائر النساء الكريمات ، و إنما هو دواء يلجأ إليه عندما يستفحل الداء .
حل الطلاق وكونه من حقوق الرجل :
و مما يشعب به النصارى على مكانة المرأة في الإسلام إباحته للطلاق، و جعله في يد الرجال دون النساء.
و في الإجابة عن هذه الشبهة أكد علماؤنا أن حل الطلاق شرعية توراتية ، فقد أبيح الطلاق إلا في حالة واحدة ، و هي زواج رجل من فتاة قد زنى بها ، فيعطي لأبيها خمسين من الفضة ، و تكون له زوجة " لا يقدر أن يطلقها كل أيامه " ( التثنية 22/ 28 ).
و أما في العهد الجديد فيفترض أن يبقى التشريع قائماً حتى لا ينقض الناموس ، لكن متى يقول : " و جاء إليه ( أي المسيح ) الفريسيون ليجربوه قائلين له: هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب ؟ فأجاب و قال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً و أنثى…فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا: فلماذا أوصى موسى أن يعطي كتاب طلاق فتطلق ؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ، و لكن من البدء لم يكن هكذا ، و أقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا ، و تزوج بأخرى يزني…ليس الجميع يقبلون هذا الكلام " ، ثم حدثهم عن الخصيان الذين خصوا أنفسهم ابتغاء الملكوت فقال:" من استطاع أن يقبل فليقبل " (متى 19/3-12) ، و قد فهمت الكنيسة من هذا النص تحريم الطلاق.
و يرى أحمد عبد الوهاب أن النص الإنجيلي ما هو إلا إضافة أخلاقية ، ولم يجره المسيح مجر الإلزام والتشريع بدليل قوله:" من استطاع أن يقبل فليقبل "، وكان قبل قد ذكر أن ليس كل أحد يطيق كلامه هذا.
ويرى أحمد عبد الوهاب أيضاً أن الاستثناء في قوله " إلا بسبب الزنا " قول دخيل على الإنجيل ، وأنه بشهادة العلماء من وضع الكنيسة ، بدليل أن حد المرأة المتزوجة - في التوراة - إذا زنت : القتل ( انظر التثنية 22/22 ) .
ولم يكن لهذا النص الإنجيلي أن يغير سنة جارية في الحياة ، يلجأ إليها الزوجان عندما تستحيل بينهما الحياة،لذلك سنت دول النصرانية في العصور الحديثة قوانين تسمح بالطلاق لأسباب مختلفة ، كالرضا من الزوجين أو سوء المعاملة أو الغياب الطويل …وكل ذلك إقرار بضرورة وجود هذا التشريع
كما بين علماؤنا النظم التي وضعها الإسلام لتشريع الطلاق والتي يجهلها الذين ينكرون على الإسلام إباحته،فقد رغب الإسلام في إمساك الرجل زوجته على كراهته لها ، ثم أذن له بطلاقها مرتين من غير أن يخرجها من بيتها قبل انتهاء عدتها ، و أن يكون طلاقه لها في طهر لم يجامعها فيه ، ثم { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ، و للزوج رد زوجته حال عدتها ، فإن انقضت فلا بد من عقد و مهر جديدين ، فإن طلقها الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
و يفرض القرآن للمطلقة حقاً على زوجها ، و هو المتعة { و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } ، ويقول تعالى عن مقدار المتعة { و متعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين } .
و قد وضع الإسلام - كما الشرائع السابقة - الطلاق بيد الرجل لحكمة لا تخفى إذ رأينا من عاطفية المرأة ما يؤدي إلى تسرعها في الأمور، بينما الرجل بعقليته الغالبة أقدر على تحمل مثل هذا القرار.
كما أن المرأة يجوز لها أن تطلب من القاضي أن يطلقها من زوجها بعد أن تبدي لذلك الأسباب الموجبة ، و يجيز فقهاء الإسلام لها أن تشترط في عقدها حقها في طلاق نفسها إن شاءت. و في كل ذلك ما يبرئ ساحة شريعة الإسلام من الغبن الذي ألحقه النصارى بها ، و يؤكد واقعية هذه الشريعة و مثاليتها في آن واحد .
حقوق المرأة والميراث :
و يرى النصارى أن الإسلام يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل ، كما يجعل شهادتها نصف شهادة الرجل.
و بداية فلئن كان القرآن يجعل للمرأة من الميراث نصف ما للرجل فإن التوراة تحرم المرأة من الميراث كلية حال وجود أشقاء لها " فكلم الرب موسى قائلاً…أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته " (العدد 27/6-8) ، و يفهم من السياق أن وجود الابن يمنع توريث الابنة.
أما في شريعة الإسلام فإن الذكر و الأنثى قد يتساويان في الميراث كما في مسألة الكلالة { و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } و قضى عمر بالتساوي بين الأخوة لأم ، قال الزهري: "و لا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
و مرة أخرى ساوت الشريعة بين الوالدين في إرثهما من ولدهما { و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
و قضى الشارع الحكيم بتوريث الذكر ضعف الأنثى كما في التوارث بين الزوجين و توراث أولاد المتوفى ، لكن ذلك يتناسب مع المسئولية المالية الملقاة على عاتق الزوج أو الأخ ، إذ كل منهما ملزم بالإنفاق على زوجته أو أخته، و هذا غرم يستحق غنماً .
كما أن شرائع الإسلام تلزم الرجل نفقات لاتلزم المرأة كالمهر والدية التي يتحملها العصبة من الرجال دون النساء .
وهكذا حين جعل الله للذكر مثل حظ انثيين من الميراث لم يقض بهوان النساء ، إنما قسم المال تقسيماً مادياً بحتاً يتناسب والمسئوليات المنوطة بكل منهما .
شهادة المرأة :
و أما جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد فذلك ليس مطرداً في سائر الشهادات ، فشهاداتها الأربع في اللعان تعدل شهادات زوجها.
و قد يجعل الشارع شهادة المرأة معتبرة في بعض المسائل و لا يقبل فيها شهادة الرجال كالأمور النسائية التي لا يطلع عليها الرجال عادة كحيضة المطلقة و طهرها في قوله { و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر } .
فيما جعل القرآن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في المسائل التي لا تضبطها النساء عادة كما في بعض المعاملات المالية و التجارية كحفظ الدين الذي نصت عليه آية الدين.
و عليه فإن جعل شهادتها بنصف شهادة الرجل ليس إجحافاً بحقها أو استهانة بمقامها و إنسانيتها ، و إنما هو مراعاة لقدراتها و مواهبها. و إلا فإن أهليتها كأهلية الرجل تماماً في كثير من المعاملات كالبيع و الشفعة و الإجارة و الوكالة و الشركة و الوقف و العتق…..
تعدد الزوجات :
و قد تعلق النصارى طويلاً في شبهة تعدد الزوجات في الإسلام ، و تساءلت منظمة الآباء البيض التبشيرية لم لا يسمح الإسلام للمرأة بتعدد الأزواج .
و في بيان و دفع هذه الشبهة نقل علماؤنا نصوصاً مطولة من التوراة تتحدث عن تعداد الأنبياء و غيرهم للزوجات ، كما أنه أمر معتاد عند سائر المجتمعات البشرية ، و لا يوجد في العهد الجديد ما يمنع تعدد الزوجات ، فتحريم التعدد نقض للناموس ، و المسيح يقول : " ما جئت لأنقض بل لأكمل ، فإن الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء و الأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " (متى 5/17-18).
و ثمة إشارات من المسيح يستنبط من دراستها جواز التعدد ، ففي المثال الذي ضربه المسيح للملكوت شبه الملكوت بعشر عذارى أخذن مصابيحهن و خرجن للقاء العريس ، و قد أخذت خمس منهن معها زيتاً للمصباح ، فلما مر العريس "المستعدات (الخمس) دخلن معه إلى العريس ، و أغلقن الباب"(متى 25/10).
و في كلام بولس ما يفهم منه جواز التعدد لغير الكاهن حيث يقول:" فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة …ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة" (تيموثاوس (1) 3/2،12).
و يرى أحمد بن عبد الوهاب أن ليس من حجة صحيحة في قول المسيح عن الزوجين : "يترك أباه و أمه ، و يلتصق بامرأته ، و يكون الاثنان جسداً واحداً ، إذاً ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد " (متى 19/5-6) فليس في النص ما يمنع تعدد الزوجات ، فهذه الوحدة المجازية يجوز أن يشترك بها أكثر من اثنين كما جاء في يوحنا في قول المسيح عن تلاميذه " ليكونوا هم أيضاً فينا " (يوحنا 17/21) .
و قد بقيت قضية تعدد الزوجات صيحة تنادي بها فرق مسيحية شتى مثل "الأناببشيت" في ألمانيا في أواسط القرن السادس عشر للميلاد ، وكان القس فونستير(1531) يقول :من يريد أن يكون مسيحياً حقيقياً فعليه أن يتزوج عدة زوجات. و بمثله نادت فرقة " اللاممعدانيين " في نفس القرن ، و نادى به الألمان بقوة بعد الحرب العالمية الثانية ، و يجدر بالذكر هنا أن إرساليات التبشير في أفريقيا لا تمانع من بقاء الأفريقي المتنصر متزوجاً بأكثر من زوجة .
و قد أباح الإسلام تعدد الزوجات الذي أباحته النبوات السابقة ، و شرط الشارع على الزوج العدل بين زوجاته فيما يقدر عليه ، و عفى عما لا يتعلق بقدرته كالمحبة ، كما حدد التعدد بأربع حسماً للفوضى والعبث .
وقد كانت إباحة الشارع لتعدد الزوجات شيئاً من حكمة الله الحكيم ، إذ واقع الأرض لا يصلح إلا بمثل هذا التشريع ، فعدد نساء البشر اليوم يربو على رجالها بأربعمائة مليون امرأة ، مما يجعل تعدد الزوجات ضرورة ملحة لكل مجتمع يخشى الفساد و الانحلال.
و قد تنبأ إشعيا بزيادة عدد النساء على الرجال فقال و هو يتحدث عن آثار الحروب:" فتمسك سبع نساء برجل واحد في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا ، و نلبس ثيابنا ، ليدع فقط اسمك علينا. انزع عارنا "(إشعيا 4/1).
كما أن تعدد الزوجات ينسجم مع ما جاء في التوراة من أمر آدم وذريته بكثرة التوالد والذرية ، فقد قال لآدم :" أثمروا واكثروا واملأوا الأرض " (التكوين 1/28) ، فتعدد الزوجات سبب في كثرة النسل،فيما القصر على زوجة واحدة يمنع الزوج من الاستمتاع بنعمة الإنجاب لضعف المرأة ثم عجزها عن الإنجاب في سن مبكرة عن الرجل.
كما أن تعدد الزوجات يعين الرجل على العفة والفضيلة ، إذ من طبيعة الرجل أن يميل إلى التعدد لأسباب مختلفة كعقم الزوجة أو طمثها أو مرضها ، و قصر الزواج على زوجة واحدة يدفع إلى البغاء ، و هذا القس سويجارت يقول في مناظرته لديدات: " المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط ، و لذلك أرتضي أفضلهن من أول قذيفة". و ما هي إلا شهور حتى ظهر على شاشات التلفاز يعتذر لشعب الكنيسة عن فعله البغاء طوال سنين مع إحدى المومسات ، و يعلن اعتزاله العمل الكنسي ، ليكون دليلاً على حكمة الإسلام البالغة حين أباحت تعدد الزوجات.
و القس سويجارت ليس بدعاً بين أقرانه و أهل دينه ففضائح الرهبان تدوي بين اليوم و آخر ، و أصبح الأصل في المجتمعات النصرانية الاقتصار على زوجة مع تعدد العشيقات.
و صدق لوثر في نقده المرير لواقع الكنيسة و المجتمع النصراني حين قال: " إن نبضة الجنس قوية لدرجة أنه لا يقدر على العفة إلا القليل…من أجل ذلك الرجل المتزوج أكثر عفة من الراهب…بل إن الزواج بامرأتين قد يسمح به أيضاً، كعلاج لاقتراف الإثم ، كبديل عن الاتصال الجنسي غير المشروع " .
و من ذلك ندرك الحكمة التي من أجلها شرع تعدد الزوجات ، و لم يشرع تعدد الأزواج فذلك ضد فطرة الإنسان ، و هو مفض إلى اختلاط الأنساب التي هي من أجلّ ما يصونه الإنسان .
المطلب الثالث: شبهات النصارى حول نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم
وأثار النصارى سيلاً من الشبهات الباطلة التي انصب كذبهم وبهتانهم فيها على شخص نبينا صلى الله عليه وسلم ورسالته ، وقصدهم من ذلك إبطال الركن الثاني من أركان هذا الدين.
معجزات النبي :
و من الشبهات التي أثارها النصارى ليشككوا في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم القول بأنه لم يأت بمعجزات، و في إثبات ذلك تعلقوا ببعض الآيات القرآنية التي تأولوها على نحو باطل. يقول وهيب خليل في كتابه"استحالة تحريف الكتاب المقدس":"إن موسى عليه السلام صنع معجزات ، أما رسول الإسلام فلم يصنع معجزات ، و هذا بشهادة القرآن" ، فقد تعلقوا بقوله تعالى { و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } و قوله { و قالوا لولا أنزل عليه آية من ربه } و أمثال ذلك من الآيات التي طلب فيها الكفار آية معينة فلم يجبهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم .
و هذه الآيات التي تعسف النصارى في الاستدلال بها موضوعها الآيات التي طلبها المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم تعجيزاً فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم { و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلاً * أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً } فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم و المعجزات الأخرى ، عند ذلك لم يستجيب الله عز و جل لطلب المشركين ، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز ، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين…فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول.
و قد قال تعالى عن معجزة القرآن { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة و ذكرى لقوم يؤمنون } .
و بعض هذه الآيات التي طلبوها مستحيل شرعاً كقولهم { لولا يكلمنا الله } و قد أجابهم الله على طلبهم لهذه الآيات { قل إنما الآيات عند الله و ما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } { قل إن الله قادر على أن ينزل آية و لكن أكثرهم لا يعلمون } و عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات ، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن و ما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة .
ثم إن اشتراط النصارى المعجزة للدلالة على النبوة ليس بصحيح وفق دينهم و كتابهم ، فها هو يوحنا المعمدان يقول عنه متى: " يوحنا عند الجميع نبي " (متى 21/26) ، و في موضع آخر " أفضل من نبي " (متى 11/9) ، و رغم ذلك لم يأت بآية واحدة ، يقول يوحنا " فأتى إليه كثيرون و قالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة " (يوحنا 10/41).
ثم إن مثل هذه النصوص القرآنية التي يتعلق بها النصارى ورد في حق المسيح في الأناجيل ، يقول مرقس: " فخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه ، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم… " (مرقس 8/11-13).
و كان الشيطان قد جربه قائلاً:" إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب :إنه يوصي ملائكته بك…قال له يسوع: مكتوب أيضاً لا تجرب إلهك " (متى 4/6-7) ، ولما وضع بين يدي هيرودس : " فرح جداً ، لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة ، و ترجى أن يرى آية تصنع منه ، و سأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء " (لوقا 23/8-9).
فما الذي يقوله النصارى في هذه النصوص ؟ و هل يرونها مبطلة لما جاء به المسيح من معجزات ؟! فكل ما يقولونه في حق المسيح نقوله في حق نبينا عليه وعلى أخيه عيسى أفضل الصلاة والسلام.
تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم :
و أثار النصارى شبهات تتعلق بكثرة عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، و يلخص القس فندر شبهاتهم في هذا الباب فيقول: " إن المسلمين لا يجوز لهم أزيد من أربع زوجات ، و محمد - صلى الله عليه وسلم -لم يكتف بها ، بل أخذ تسعاً لنفسه ، و أظهر حكم الله في حقه : أن الله أجازني لأن أتزوج بأزيد من أربع.
الثاني: إن المسلمين يجب العدل عليهم بين نسائهم ، و أظهر حكم الله في حقه أن هذا العدل ليس بواجب عليه.
الثالث: أنه دخل بيت زيد بن حارثة ، فلما رفع الستر وقع نظره على زينب بنت جحش زوجة زيد ، فوقعت في نفسه ، و قال: سبحان الله . فلما اطلع زيد على هذا الأمر طلقها ، فتزوج بها ، و أظهر أن الله أجازني للتزوج.
الرابع: أنه خلا بمارية القبطية في بيت حفصة في يوم نوبتها فغضبت حفصة ، فقال محمد: حرمت مارية على نفسي،.ثم لم يقدر أن يبقى على التحريم ، فأظهر أن الله قد أجازه لإبطال اليمين بأداء الكفارة.
و الخامس: أنه يجوز في حق متبعيه إن مات أحدهم أن يتزوج الآخر زوجته بعد انقضاء عدتها، و أظهر حكم الله في حقه أنه لا يجوز لأحد أن يتزوج من زوجاته بعد مماته " .
و يستشهد النصارى بكثرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم لإثبات ولع رسول الله صلى الله عليه وسلم - و حاشاه - بالدنيا فيقول الكندي : " قال بولس رسول الحق، رسول المسيح مخلص العالم:إن الذي له زوجة إنما غايته أن يصرف عنايته إلى رضى زوجته ، و الذي لا امرأة له فعنايته مصروفة إلى رضى ربه " (انظر كورنثوس(1) 7/32-33 ) فمتى كان له الشغل الدائم المتصل بهذه الأمور الفراغ للصوم و الصلاة و العبادة و جمع الفكر و صرفه إلى أمر الآخرة " .
فأما كثرة نسائه صلى الله عليه وسلم فإنه حال أشبه به الأنبياء السابقين كما قال تعالى { و لقد أرسلنا رسلاً من قبلك و جعلنا لهم أزواجاً و ذرية } .
و يحكي الكتاب المقدس عن تعدد نساء الأنبياء فذكر لإبراهيم ثلاثاً سوى السراري ، و ذكر ليعقوب أربع زوجات فيما ذكروا لداود تسع زوجات و عشرات الإماء، و أما سليمان الذي تقول التوراة بأن الله قال عنه" أنا أكون له أباً ، و هو يكون لي ابناً " ( صموئيل (2) 7 /14 ) و يقول عنه كتبة الأسفار أيضاً " أحب الملك نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون : مؤابيات و عمونيات و أدوميات و صيدونيات و حثيات ، و من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم و لا يدخلون إليكم ، لأنهم يميلون قلوبهم وراء آلهتهم ، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة و كانت له سبع مائة من النساء السيدات ، و ثلاث مائة من السراري ، فأمالت نساؤه قلبه ، و كان في زمان شيخوخة سليمان أن نساؤه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ، و لم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه " (ملوك (1)11/1-8).
و يجدر هنا أن نذكر أن داود على كثرة نساءه كان كاملاً مع الرب ، رغم أن التوراة تذكر زناه بامرأة أوريا الحثي- و حاشاه صلى الله عليه وسلم -.
فكما كان حال هؤلاء الأنبياء كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم ، فلم تكن كثرة نساءه لتمنعه من أن يقوم بحق ربه على أكمل و أحسن وجه.
ثم كيف للنصارى أن يسقطوا حق النبوة من التعظيم بسبب كثرة الزوجات و هم لم يسقطوها للأنبياء و قد رموهم بأعظم الفواحش من زنا و خمر ؟ و هو بكل حال أشد من تعدد الزوجات .
و تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت لحكمة أبعد و أعمق مما تصوره النصارى ، فزواجه لم يكن لغرض دنيوي فحسب ، و لو كان دافع الزواج حاجة الجسد فقط لكان ذلك في شبابه أولى ، فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة و عمره خمسة و عشرون سنة ، و هي تكبره بخمس عشرة سنة ، و بقيت وحيدة عنده حتى وفاتها ، ثم تزوج بعد وفاتها بثلاث سنين من سودة بنت زمعة و عائشة بنت الصديق ثم بقية أزواجه ، و قد كان زواجه من عائشة و سودة و عمره ثلاث و خمسون سنة.
و قد كانت جميع أزواجه - خلا عائشة - ثيبات ، و فيهن من لا يرغب بزواجها لكبر سنها كسودة ، و فيهن من قاربت الأربعين كأم سلمة .
و أما عائشة فكانت البكر الوحيدة في نسائه و أصغرهن رضي الله عنهن ، و هنا يلمز النصارى فارق السن بينها و بين رسول الله ، و يغفلون عن خصائص البيئة العربية التي لا تجعل لفارق السن كبير اعتبار ، إذ تنصرف الهمم لإنجاب الذرية ، و كلما صغر عمر المرأة زادت خصوبتها.
ثم أن النصارى يرون من زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة ما يستحق القدح ، و لا يرون ذلك في زواج إبراهيم عليه السلام من هاجر و قد دخل عليها و عمره خمس و ثمانون سنة (انظر التكوين 16/16) كما أن داود عليه السلام قد تزوج في شيخوخته أبيشج الشمونية ، و بينهما من العمر ما يقارب الخمسين سنة (انظر الملوك (1) 1/1-4) .
و قد أوضح علماء الإسلام حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم و التي يجملها أنه بتعدد نساءه :
1- يكثر مشاهدة أحواله الباطنة ، فيزداد ظهور صدقه و ينتفي ما يرميه به المشركون من سحر و سواه. كما أن اطلاع هؤلاء على أحواله الباطنة و كمالاته تظهر قيمته إذا علمنا أن منهن أم حبيبة و صفية ، و كلتاهما يومئذ ابنتا عدويه ، فلو لم يكن أكمل الخلق إيماناً و أحسنهم أخلاقاً لنفرتا منه ، و قد تحقق خلافه في حياتهما رضي الله عنهما .
2- لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرتهم له ، و يتألف قلوبهم بذلك إلى الإسلام ، كما يكثر بذلك عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على عدوه ، و يدرك هذا من عرف أهمية المصاهرة عند العرب ، و قد كان زواجه بجويرية بنت الحارث المصطلقية سبباً في إسلام قومها.
3- و من حكم تعدد نسائه أن يكثر نقلة أحوال النساء إليه كما أن يتعلم نساءه منه و من أحواله ما يبلغنه إلى سائر النساء من أحكام خاصة بالنساء و يستحى من سؤاله عنها.
4- ضرورة التشريع كما سيأتي تفصيله في قصة زواج زينب ، و أيضاً ليقتدي به رجال أمته في العدل بين النساء على كثرتهن و عدم الانشغال بهن عن أمر آخرته ، كما يقتدى به عليه السلام في إعالة من لا معيل لها على كثرة أعبائه و واجباته عليه الصلاة و السلام .
و قد أنصف نظمي لوقا في كتابه " محمد في حياته الخاصة " حين قال : " هؤلاء زوجاته اللواتي بنى بهن، و جمع بينهن لم تكن واحدة منهن هدف اشتهاء كما يزعمون، و ما من واحدة منهن إلا كان زواجه بها أدخل في باب الرحمة و إقالة العثار و المواساة الكريمة ، أو لكسب مودة القبائل و تأليف قلوبها بالمصاهرة و هي بعد حديثة عهد بالدين الجديد ، هي ضريبة واجبة إذن أو ضريبة مكانة و زعامة.. و ما كان من الهين على رسول قائد جيش و حاكم دولة محاربة أن يزيد أعباءه بما يكون في بيت كثير النساء من خلافات على صغائر الأمور…و لكنه الواجب : واجب الدعوة أو واجب النخوة…واجب أقدم البعض على استغلاله استغلالاً منكراً ، فرأينا من يعضلها أن تجد زوجاً لا ترعى الحشمة و تذهب للرسول صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها متطاولة إلى شرف أمومة المؤمنين…و يسكت محرجاً لا يريد أن يجرح كرامة تلك المرأة المجترئة عسى أن تنصرف عنه و هو يعلم قبوله الزواج من مثلها سيفتح عليه باباً لا قبل له به ، و لولا أن أحد أصحابه جعل نفسه فداء للرسول في ذلك الزواج بالهبة ، لأوذي في حيائه بإحدى خطتين : إما التورط في القبول أو المجاهرة بالرفض الصريح…
و أنقذه القرآن بعد ذلك من مثل هذا التورط الفادح ، فحرم عليه بصريح النص في سورة الأحزاب (الآية :52) ."وهو قوله { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيباً }
و أما الإذن له صلى الله عليه وسلم بزيادة الزوجات عن أربع ، ثم منع المؤمنين من نكاح نسائه من بعده فهي من خصوصياته عليه السلام التي جعلها الله له فكما خصه بوجوب قيام الليل ، و أذن له بوصال الصيام ، و منعه من توريث ماله لورثته . فكما خصه بذلك خصه بهاتين الخصلتين.
و في التوراة أن الله يخص الهارونيين المسئولين عن الكهانة في بني إسرائيل بأحكام خاصة ، فلا عجب أن يخص نبي بها . و قد قال تعالى { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل و كان أمر الله قدراً مقدوراً } .
ثم إن تحريم نساءه من بعده أمر طبيعي إذ هو صلى الله عليه وسلم لأمته بمنزلة الأب ، و هن أمهات المؤمنين ، و لا يليق بالمرء أن يتزوج بمن لها اعتبارياً منزلة الأم ، كما أن الإذن بنكاح نساءه من بعده قد يطمع أحداً بنكاح إحداهن بعده ، فيتوق لموت النبي و هي مهلكة قطع الله طريقها بتحريم نكاح نسائه صلى الله عليه وسلم .
و أما قصة زواجه من زينب و قد تلقفها النصارى من روايات لا تصح ، رواها الطبري و ابن إسحاق ، و يظهر ضعفها إذا تأملنا ما فيها من تناقضات ، و عرفنا أن وجود هذه الروايات في كتب المسلمين لا يعني صحتها ، و قد ذكر الطبري في مقدمة تاريخه وجود روايات منكرة عنده وعند القارئ يقول عنها : " فليعلم (أي القارئ) أنه لم يؤت من قبلنا ، و إنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا ، و أنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا" .
و قد أحسن ابن كثير حين قال عن هذه الروايات : " ذكر ابن أبي حاتم و ابن جرير ههنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها… لكن الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنها (أي زينب) ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما جاءه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال : { أمسك عليك زوجك و اتق الله } ، و قد ذكر أصحاب السير أن زينب كانت تستعلي بنسبها القرشي على زيد المولى ، فاستحالت الحياة بينهما ، فأتى زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكوها و يستأذنه في طلاقها فأمره الرسول بإمساكها ، فقد استصعب أمر زواجها لما يعلمه الناس من أنها زوجة متبناه ، و لقد صرح القرآن الكريم بأن الأمر الإلهي كان لحكمة تشريعية و هي إبطال التبني.
و مما يؤكد ضعف رواية ابن إسحاق و روايتي الطبري أن زينب كانت ابنة عمته صلى الله عليه وسلم و هو الذي خطبها لزيد ، و محاسنها لا تخفى عليه و قد رآها منذ طفولتها ، فكيف يقال بأنه فتن بها بعد ذلك ، فكأنه لم يرها من قبل!! .
فلا يجوز للنصارى أن يعجبوا من أمر الله نبيه بالزواج من مطلقة متبناه لإبطال عادة التبني المتجذرة في المجتمع العربي ، إذ هم يقولون بأمور أغرب من ذلك ينسبونها لله منها أنه أمر نبيه هوشع بنكاح زانية (انظر هوشع 1/2-3) ، و أمر إشعيا بأن يمشي مكشوف العورة عرياناً بين الرجال و النساء ثلاث سنين (انظر إشعيا 20/2-4).
فتلك الأوامر و أمثالها تليق عندهم في حق الله ، و لا تحط من منزلة الأنبياء ، أما أن يتزوج رسول الله بمطلقة زيد بعد انتهاء عدتها فهذا يحط من منزلة النبوة .
و أما تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لمارية ثم كفارته عن ذلك اليمين فهو أمر تقره الشريعة ، و يقع به سائر الناس ، فيعود أحدهم عما كان قد عزم عليه ، و لكن العجب من أن النصارى لاتجيزه فيما يخص رسول الله صلى الله غليه وسلم ، وقد جعلته جائزاً في حق الله عز و جل إذ جعلت الله عز و جل يندم على بعض فعله أو أمره - كما سبق بيانه - و قد حكوا ذلك أيضاً عن المسيح عليه السلام كما في قصة المرأة الكنعانية التي أبى شفاء ابنتها ، ثم بعد جدل و رجاء من التلاميذ قبل ذلك (انظر متى 15/ 21-28) و مثله صنع لما طلبت منه أمه تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا فرفض ، ثم صنع ذلك (انظر يوحنا 2/3-4).
والقصة التي تعلق بها النصارى ذكرت في سياق ما ذكره علماؤنا في سبب نزول سورة التحريم ، وهي رواية مرسلة إلى زيد بن أسلم ، وليس فيه رواية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
والصحيح في سبب نزول آيات سورة التحريم ما جاء في رواية البخاري أنه صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه العسل ، فنـزلت الآيات .
ورغم هذا الركام من الأراجيف فإن كلمة الحق تأبى إلا أن تعلن عن نفسها صريحة مدوية من أولئك النصفين ، ومنهم الكاردينال ترانكون رئيس أساقفة أسبانيا حيث قال في قرطبة في المؤتمر الثاني للحوارعام 1977 م :" يريد المجمع البابوي منهم أن يعربوا عن احترامهم لنبي الإسلام ، ولن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية ، الدينية منها والإنسانية ، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين - ضمن جوانب أخرى عديدة - وهي إيمانه بتوحيد الله وانشغاله بالعدالة ".
وفي نفس المؤتمر قال د ميجل ايرنا ثدث :" لا يوجد صاحب دعوة تعرض للتجريح والإهانة ظلماً على مدى التاريخ مثل محمد , إن الأفكار حول الإسلام والمسلمين ونبيهم استمرت تسودها الخرافة حتى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي … لقد سبق أن أكدت في مناسبة سابقة الاستحالة من الوجهة التاريخية والنفسية لفكرة النبي المزيف التي تنسب لمحمد ما لم نرفضها بالنسبة إلى إبراهيم وموسى وأصحاب النبوات الأخرى ... وفيما يتعلق بي فإن يقيني أن محمداً نبي لدرجة أني حاولت في دراسة لي كتبت عام 1968 م أن أشرح أن محمداً كان نبياً حقاً من وجهة النظر الدينية المسيحية ".
وفي المؤتمر التبشيري الثالث للإنجليكانيين ( 1963 ) قال كانون وارن :" لقد تجلى الله بطرق مختلفة ، ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر هلى القول بأن الله كان يتكلم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة ".
المطلب الرابع : شبهات النصارى عن القرآن الكريم
لما كان القرآن الكريم الكتاب المقدس للمسلمين ، فهم يعتبرونه كلام الله ووحيه الخاتم ،حيث نـزل على آخر رسله ، لما كان بهذه المثابة عند المسلمين كان من الطبيعي أن يتجه النصارى للطعن والثلب لهذا الكتاب الذي يبين ضلالهم ويزيف باطلهم ، ويقيم حجة الله عليهم .
وقد وجه النصارى إلى القرآن الكريم شبهات متنوعة متعددة راموا منها تزييف نسبة هذا الكتاب لله رب العالمين ، وتتمحور هذه الشبهات حول خمس محاورنتحدث عنها في هذا المطلب .
المحور الأول : حول المصدر
و يشكك النصارى في مصدر القرآن الكريم ، و يعتبرونه من صناعة محمد صلى الله عليه وسلم و يذكرون له مصادر أرضية، و يلخص القس أنيس شروش مزاعم النصارى في مصادر القرآن الكريم ، فيقول مخاطباً ديدات:" دعني أتحداك 75% من القرآن الرائع في لغتي العربية الرائعة مأخوذ من الكتاب المقدس"، و يقول:"الواقع أن هناك نصوصاً عديدة من مقاطع العهد الجديد قد استعارها القرآن و اقتبسها ، هناك حوالي 130 مقطعاً في القرآن مستوحاة من سفر المزامير ، و نجد الروايات غير القانونية المرفوضة(الأناجيل الأبوكريفا)عند النصارى موجودة في القرآن ، إن سورة آل عمران الآية 35-37 تحكي بدقة الرواية الإنجيلية الأسطورية التي تحكي قصة زكريا المشهورة و مولد ابنهما " .
و يتحدث القس شروش عن مصدر آخر للقرآن هو أشعار العرب ، فيقول عن امرئ القيس" كان من أعظم شعراء العرب القدامى قبل محمد ، و في إحدى قصائده…هناك أربع آيات مأخوذة منها تم إدخالها في القرآن من قبل محمد ، و تظهر في سورة القمر الآية 1، 29، 31، 46…".
و يوضح ذلك فيقول { اقتربت الساعة و انشق القمر } هذا في القرآن ، أما امرؤ القيس فيقول: دنت الساعة و انشق القمر." ، و لم يذكر شاهداً للثانية و الثالثة ، ثم ذكر لقوله تعالى { بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر } فادعى أنها منقولة من قول امرئ القيس: و إذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى و أمر.
ثم ذكر القس أن ابنة امرئ القيس أدركت الإسلام ، و سمعت أبيات أبيها فعرفتها و طالبت بمعرفة كيف ظهرت أبيات أبيها فجأة في السورة .
و يتحدث القس عن مصادر الإسلام عموماً فيقول :" من المنطقي استنتاج أن الإسلام نابع من ثقافة قبيلة مشركة هي قبيلة محمد" و يقول:" لأنه لمن المدهش أن نكتشف أن محمداً لم يؤمن بالثالوث الأقدس و لا بألوهية و لا قيام المسيح ، و لفهم السبب علينا معاينة عقيدة نسطور و أتباعه ، إنها طائفة مسيحية مهرطقة هاجرت إلى الجزيرة العربية قبل140 سنة من مولد محمد ، لقد اكتسب محمد ذاك الإنكار من هذه الهرطقة…لقد هرب (نسطور) هو و أتباعه و تفرقوا في أماكن مختلفة من بلاد الفرس و الجزيرة العربية حيث احتكوا بأسرة النبي .
معظم المفكرين المسيحيين يؤمنون ، و يشهد لهم التاريخ الإسلامي أيضاً أن محمداً كان يلتقي بنسطور (و لعله أراد بحيرا) خلال أسفاره إلى الشام ، و حين كان في سن 12 رأى بحيرا فيه علامات النبوة ، و بعد سنة أقنعه بذلك ، و سافر معه ، و علمه كل ما يتعلق بما نسميه قصص الكتاب المقدس " .
و في التمثيل للاقتباسات من الوثنية ذكر شروش تقبيل الحجر الأسود ، و مثله قال صاحب كتاب " الحق " و هو كاهن لم يذكر ابن الخطيب اسمه ، و زعم بأن الحجر الأسود من بقية آلهة العرب التي كانوا يعبدونها .
و نلمس في هذه الشبهات الكثير من الكذب الصراح كالزعم بنقل القرآن من الكتاب المقدس أو من أناجيل لا ترتضيها الكنيسة فهذا لا يصح بحال ، و يظهر بجلاء لكل من وقف على موضوعات الكتاب المقدس و موضوعات القرآن الكريم ، و قد تحدى ديدات القس بأن يأتي بمثال واحد ، فعجز عن ذلك و ينقل ديدات عن العالم ولير قوله : " هناك فقرة واحدة في القرآن جرى اقتباسها من كتاب المزامير " و هي " الأبرار يرثون الأرض " (المزمور 37/11).
و قد ذكر القرآن وجود هذه الفقرة في المزامير فقال { و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ، فالقرآن ذكر أن الفقرة موجودة في الزبور ، فيما نقل متى الفقرة ذاتها في إنجيله (انظر متى 5/5) و لم يشر إلى أنه اقتبسها من المزامير.
و يتساءل ديدات مراراً عن الـ(75%) المقتبسة من الكتاب المقدس ، و يقول :" أي شيء في الكتاب المقدس يستحق النسخ أو الاقتباس…هذا كتابك المقدس بالعربية ، و هذه نسخة من القرآن بالعربية لأسهل الأمر عليك " .
و لا ريب في أنه لو كان الكتاب المقدس من عند الله لوجدنا صوراً أكثر من التشابه و التماثل التي تقتضيها وحدة المصدر و الهدف ، و لا يعني حينذاك بأن القرآن مقتبس من الكتب السابقة ، بل ذلك معناه أن الله كما أنزل هذه المعاني على الأنبياء السابقين أنزلها على رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم.
و من التماثل بين شرائع الله تعظيم الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام و عظمها لأمر الله ، ثم عظمها رسول الله لتعظيم الله لها فقد جعلها قبلة لعباده ، و تقبيل الحجر الأسود من ذلك التعظيم ، و قد قال عمر رضي الله عنه عندما وقف عليه يقبله " إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ، و لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " .
و لم يكن تعظيم الرسول للكعبة تعظيم عبادة، إنما كان تعظيماً لشعائر الإسلام و هي منها ، فقد أمر الله نبيه إبراهيم ببناء هذا البيت و تطهيره لعبادته.
هذا و لم يعرف في العرب قط رغم عبادتهم للأصنام أن أحداً منهم عبد الكعبة أو الحجر الأسود.
و أما قول القس و غيره من النصارى عن بحيرا الراهب و نسطور فهو كلام لا دليل عليه البتة ، و الموجود في كتب التاريخ الإسلامي أن رسول الله سافر إلى الشام مرتين إحداهما في طفولته حيث لقيه بحيرا الراهب ، و طلب من أبي طالب أن يحذر على ابن أخيه ، و الثانية في شبابه حيث ذهب في تجارة خديجة ، و عاد بعدها مباشرة ، و من الكذب القول بأن بحيرا قد ذهب معه إلى مكة ، و أنه قد علمه قصص الكتاب المقدس ، بل إن مجرد المقارنة بين قصص الكتاب المقدس و القرآن الكريم المشابهة كقصة آدم و نوح و إبراهيم ، إن مجرد التأمل فيها و المقارنة بينها يكفي في رد هذه الشبهة.
و هذه الشبهة قديمة ذكرها القرآن الكريم و أجاب عنها قال تعالى
{ و لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون عليه أعجمي و هذا لسان عربي مبين } { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً * و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلاً * قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً } { و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون } .
و من المعلوم أن أول ترجمة عربية للتوراة كانت بعد ظهور الإسلام بقرن من الزمان ، حيث كان أسقف اشبيلية يوحنا أول من ترجم التوراة إلى العربية عام 750م ، ثم ترجمها سعدية بن يوسف عام 942م ، وكتبها بأحرف عبرية ، ثم كتبها يافث بن علي في أواخر ذلك القرن بأحرف عربية .
و يعجب المرء كيف ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم الاطلاع على كتب لم يكن بمقدور الأحبار و الرهبان في ذلك الزمان أن يطلعوا عليها كاملة ، بل كيف يقال بأنه أخذ من الأناجيل غير القانونية التي اختفت في بلاد المسيحية ، و إن كشفت الدراسات و عمليات تنقيب الآثار عن بعض هذه الكتب في هذا الزمان، و لكن كيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصل إليها قبل قرون و في بلاد لا تعير لكتب أهل الكتاب أدنى اهتمام.
و بقيت أمية الرسول حجر عثرة أمام شبهات القس ، لذا يزعم شروش بأن رسول الله كان يقرأ و يكتب ، و يقول : " هذا كان مجرد دعوى لإظهار عظمة عمل محمد في إنتاج القرآن و ليثبت إعجاز القرآن ، و حجتي الدامغة : قيل لنا أنه حين رفض أهل مكة الاعتراف بالعبارة المكتوبة على وثيقة المعاهدة (محمد رسول الله)، و انصياعاً لمطالبهم حذف محمد لقب"رسول الله "، و خط بيده عوضاً عنها عبارة محمد بن عبد الله. و إليكم حدثاً آخر يؤكد إلمامه بالكتابة و القرآن حين لوحظ احتضار محمد أوعز إلى زوجته المفضلة عائشة أن تحضر له قرطاساً ليخط عليه اسم خليفة من بعده" ، ثم ذكر شروش أنه رأى وثيقة عليها توقيع رسول الله كما أن عمل رسول الله في التجارة يوجب عليه أن يجيد القراءة و الكتابة و الحساب.
و أخيراً استشهد بقول الله { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ و ربك الأكرم * الذي علم بالقلم }.
وفي إبطال هذه الحجج اكتفى العلامة ديدات برمي القس بالكذب مستدلاً بتغييره للرواية في مسألة صلح الحديبية حيث ثبت أن رسول الله استعلم الصحابة عن مكان عبارة " رسول الله " ثم أزالها ، و أنه أمر علياً بكتابة: " ابن عبد الله ".
و يؤكد دمشقية في تعليقه على مناظرة شروش بأن لو كتب رسول الله بنفسه اسمه و اسم أبيه فإن ذلك لا يرفع الأمية عنه ، إذ لا شيء يمنع من أن يتعلم الإنسان رسم اسمه و هو لا يعرف الكتابة .
و مثله يقال فيما رآه شروش من توقيع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدق في زعمه.
و أما قصة الكتاب الذي أراد رسول الله كتابته فقد ذكره البخاري ، و ذكر بأنه قد كان عنده جمع من الصحابة و أنهم اختلفوا فلما رأى اختلافهم قال: " قوموا عني ، لا ينبغي عندي التنازع " .
فكما كانوا حوله يكتبون الوحي طلب منهم أن يكتبوا هذا الكتاب.
و أما الآيات في أول سورة العلق فقد سبقها قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنا بقارئ " ، فالمقصود باقرأ هو أن يتلو ما يسمعه من وحي ينزل به جبريل.و لا يمكن أن يكون المقصود بالقراءة القراءة من كتاب إذ لم يدفع جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً مكتوباً ليقرأه .و إنما دفع إليه وحياً مقولاً فقرأه بعده.
و قد أثبت القرآن في غير موضع أمية النبي صلى الله عليه وسلم ، و لو كان قارئاً لما خفي ذلك على قومه فكذبوه ، فعدم تكذيبهم دليل على معرفتهم بصدقه.
و أما قول القس بأن القرآن منحول من شعر العرب و استدلاله بتماثل بعض الآيات مع شعر امرئ القيس فهو مرفوض لأن التماثل في بعض الألفاظ لا يعني النقل على كل حال ، و وقوع التماثل أمر طبيعي إذ جاء القرآن بما تعهده العرب في كلامها من أمثلة و استعارات و سوى ذلك من ضروب البلاغة.ثم أن الشعر المنسوب لامرئ القيس هو المنقول عن القرآن كما قد سبق بيانه .
المحور الثاني : حول ثبوته
اثار النصارى شبهات تتعلق بثبوت القرآن الكريم ، فالنصارى يعتقدون أن القرآن كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نصوصاً متنافرة و حدها عثمان ، يقول سويجارت: " بعد وفاته ( أي صلى الله عليه وسلم ) كان يوجد عدد لا بأس به من نسخ القرآن المتداولة التي لم تستقر بعد…الخليفة عثمان كان عليه أن يوحد النصوص…لأن نصوصاً كثيرة من القرآن كانت موجودة … بعث عثمان إلى كل إقليم إسلامي بنسخة مما تم نسخه ، و أمر أن تحرق جميع المواد القرآنية الأخرى…، إن لم تكن متناقضة فإني أستغرب لماذا أمر بإحراقها ؟".
و يقول الحداد الخوري عن اقتصار عثمان في جمعه للقرآن على حرف واحد : " بذلك أضاعوا علينا معرفة ما كان في الأحرف الستة من مباينات و مناقضات و اختلافات بالنسبة إلى الحرف الذي أثبتوه و اقتصروا عليه".
و تحدث الحداد أيضاً عما أسماه " الإصدار الثالث للقرآن " ، و قصد به المصحف الذي نقطه الحجاج بن يوسف الثقفي ، و أراد الحداد أن يوهم بأن ثمة تبديلاً أو تغيراً طرأ على القرآن حينذاك".
و تحدث النصارى عن إسقاط المسلمين لبعض الآيات و السور القرآنية كآية رجم الزاني و سورة الحفد و الخلع ، و يقول الخوري معقباً :"و هكذا فقد أسقط عثمان من الصحف قرآناً كثيراً " .
و للرد على هذه الشبهة شرح علماؤنا كيفية نزول القرآن و حفظه من قبل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم و بعده.
و قبل أن نشرع في تفصيل ذلك ننبه لأمرين هامين غفل عنهما النصارى أولهما: أن المسلمين لا يسمون كل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً ، بل ما يطلق عليه " القرآن " هو ما لم ينسخ تلاوة من الوحي ، و هو الذي تدارسه جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم في العرضة الأخيرة قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم.
و الأمر الثاني : أن الأساس الذي حفظ القرآن ، و اعتمد عليه المسلمون هو حفظ الصدور و السطور ، و قد كان الاهتمام بتدوين القرآن في الصحف أمراً متمماً موثقاً لحفظ الصدور.
و قد نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث و عشرين سنة ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا نزلت السورة أو بعضها أمر الصحابة بكتابتها و وضعها في مكانها بين سور القرآن وآياته ، و كان له كتاب مختصون بكتابة الوحي.
و توفي رسول الله و لما يجمع هذا الكتاب المكتوب في مصحف واحد ، و ذلك لتتابع الوحي و عدم انقطاعه ، و إن كان قد علم ترتيب السور و آياته.
و قد كان أصل تنزل القرآن على حرف واحد ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته فقال:"يا جبريل إني بعثت إلى أميين، منهم العجوز ، والشيخ الكبير، و الغلام و الجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط….." فاستجاب الله له و جعل نزول القرآن على سبعة أحرف قال صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف " ، و في رواية أخرى أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال أسأل الله معافاته و مغفرته . و إن أمتي لا تطيق ذلك…إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة حروف ، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا " .
و حذر رسول الله من المراء في الأحرف السبع فقال:" أنزل القرآن على سبعة أحرف ، على أي حرف قرأتم أصبتم ، فلا تماروا ، فإن المراء كفر " .
و خبر نزول القرآن على سبعة أحرف خبر متواتر أراد الله به التيسير على الأمة عند قراءتها للقرآن الكريم ، و ليس في الأحاديث السابقة و غيرها ما يفهم منه أن هذه الأحرف كانت نصوصاً مختلفة ، بل غاية ما فيه هو التسهيل في قراءة ا