البرتقالة
وقفت أمام الحوض لأغسل أواني العشاء, كان أمي وأبي لم يكملا العشاء بعد. التفت لأحمل الصحون الفارغة، لحظتها رأيت أمي تقشر برتقالة.
- سألتها: من أين لك بالبرتقال اعتقدت أنه انتهى؟
- لا بقيت واحدة إنها لي، لم آكل الفاكهة في الغداء.
- آآآآآآآآآآآآآآه,قشرتها وقامت باقتسامها بيننا, حصل أبي على النصف أما نحن فاقتسمنا النصف الباقي كنت سأرفض الربع الذي حصلت عليه فهو ليس من حقي لكني عندما رأيتها تعطيه النصف قررت أكل الربع.
لم أفهم تصرفها وهو واحد من ألف فلطالما اصطدمت معها بسبب نكران ذاتها الذي ألغى وجودها وعودها على عطاء يصل إلى درجة الغباء والإهانة أحيانا كثيرة، لماذا أعطته النصف وتركت لها الجزء القليل.المفروض أنه حقها ولها كل الحرية في التصرف فيه لكن الحرية لا تعني دائما تفضيل زوجها على نفسها في كل شيء, أعلم أن زوجها هو أبي لكني لست في مقام لأتحدث عن الأبوة, فأنا من تعرف أبي جيدا.
أنهى أبي عشاءه وقام وبقيت أمي تنظم بعض الأشياء في المطبخ.
- سألتها: لماذا أعطيت نصف برتقالتك له؟
- والدك يحب البرتقال؟
- وأنت ألا تحبين البرتقال؟
- أجابت: بلا أحبه.
- إذن لماذا أعطيته نصف البرتقالة؟هل يعطيك برتقالته؟ هل يبيت نصف شبعان ويتقاسم معك عشاءه؟هل يفكر فيك ولو مرة قبل أن يفكر في نفسه؟
- لماذا تقولين هذا يا ابنتي؟ إنه يفعل المستحيل من أجلنا ليضمن لقمة العيش.
هل من يضمن لقمة العيش لأحد يتحول لأناني لا يفكر إلا في نفسه ويشعر الآخرين أنه يتفضل ويمن عليهم؟
- كفي عن هذه الفلسفة التي لن تجعل منك زوجة أبدا.
ومن قال لك أني أريد ذلك؟ إذا كنت سأتزوج ليشعرني زوجي في اليوم مئات المرات أنه قام بتضحية جسيمة بزواجه مني فلا داعي لذلك الأحسن أن ألا أفعل....
لاسمح الله يا ابنتي,لا تتخذي من زواجي أنا وأبوك مثالا هناك الكثير من الزيجات الناجحة .
- إذا أنت تعرفين أن زواجك فاشل؟
- لماذا تستعملين يا ابنتي هذه الكلمات القاسية؟ أنا وأبوك نعيش مع بعضنا منذ ثلاثين سنة, وقد رزقنا الله بكم واليوم أنتم رجال ونساء ناجحون في حياتكم.
- أترين أنك نجحت؟هذا هو مقياسك للنجاح؟ زوج وأولاد, أليس الزواج مودة ورحمة أيضا أم تتناسين ذلك؟
- نعم, مودة ورحمة لم أنسى ذلك,لكنه أولاد وزوج أيضا.
- يبدو أنك اخترت الزوج والأولاد وتنازلت بإرادتك عن المودة والرحمة؟
- الأحلام شيء مغاير تماما للواقع يا ابنتي.
- بالفعل, أنت محقة خاصة إذا كان الواقع كابوسا,هل تنكرين أن والدي استهلكك وجعلك تطلبين الموت لتتخلصي من حياتك معه.
كل الزيجات فيها مشاكل,والبيوت أسرار لا تظني أن الناس تعيش في سعادة دائمة.
- أعلم يا أمي،لكن ليس كل الأزواج يضربون زوجاتهم، ليس كل الأزواج يصفون زوجاتهم "بالغبية","الحمارة"،"الساقطة"،"قليلة التربية","البهيمة". أليس من تتكلمين وتدافعين عنه استفرد بك منذ أيام مستغلا غيابنا عن البيت وضربك أنت صاحبة الخمسة والخمسين سنة؟ من هم في سنك جدات الآن أيصح أن يضربوا؟ أليس هذا من كان يضربك بخرطوم الماء؟ ألست أنا وأخواتي من كنا نرتمي في أحضانك كي نحميك من ضرباته؟ أليس هو الذي نعتنا ببنات الحرام؟ أليس هو من خلق فينا كل هذه العقد التي لن نتعا لج منها مهما حاولنا.
- ألن تنسي هذه الذكريات المؤلمة يا ابنتي؟
أي سؤال هذا يا أمي؟أتظنين أني سأنسى؟ لقد حفرت هذه الصور في ذاكرتي، أتعلمين نسيت ذكريات نجاحاتي الدراسية، أفراحنا العائلية مع قلتها،حتى المشاعر الجميلة التي داعبت قلبي لأول مرة ولكني لم ولن أنسى يوما هذه الذكريات.
اغرورقت عينا أمي وتحجرت فيهما دموع رفضت أن تنزلها خوفا من إثبات صحة كلامي.
لا تخجلي, ابكي دعي دموعك تنزل,دعيها تقول أنك إنسانة حلمت كغيرها بالزواج والأولاد فحصلت على أولاد لكنها لم تحصل يوما على زوج يعاملها كشريكة أو تابعة. وإنما تحصلت على جلاد جلد روحها قبل أن يجلد جسدها ومع أن أثار جلد جسدها زالت, إلا أن أثار الجلد على روحها لاتزال ولأن أبي بارع في تذكيرها بندبات قلبها فقد قضى يومه كله يتهمها بأنها سبب سوء حظه في هذه الحياة.
خرجت أمي من المطبخ وتركتني استعيد شريط ذكريات مؤلمة أتقاسمها أنا وأخواتي وأجهشت بالبكاء فكما يقول الماركيز "ذكرى السعادة لا تعود سعادة ولكن ذكرى الألم تعود ألم". و أحيانا أكثر ايلاما.
انتهت