منتديات أبو الحسن التعليمية
شرح منضومة البيقونية  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا شرح منضومة البيقونية  829894
ادارة المنتدي شرح منضومة البيقونية  103798
منتديات أبو الحسن التعليمية
شرح منضومة البيقونية  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا شرح منضومة البيقونية  829894
ادارة المنتدي شرح منضومة البيقونية  103798
منتديات أبو الحسن التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات أبو الحسن التعليمية

منتدى تعليمي ترفيهي تثقيفي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح منضومة البيقونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
boudjemaa fathi khalloul
عضو جديد
عضو جديد
boudjemaa fathi khalloul


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 78
نقاط : 10188
السٌّمعَة : 2
سجل في: : 05/03/2011

شرح منضومة البيقونية  Empty
مُساهمةموضوع: شرح منضومة البيقونية    شرح منضومة البيقونية  Icon_minitimeالخميس 10 مارس 2011 - 21:29

بسم الله الرحمن الرحيم



شرح المنظومة البيقونية

شرح المنظومة البيقونية


متن المنظومة البيقونية
مقدمة في علم مصطلح الحديث
شرح المنظومة البيقونية




متن المنظومة البيقونية

بسم الله الرحمن الرحيم

أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّياً على ** مُحمَّدٍ خَيِر نبيْ أُرسِلا

وذِي مِنَ أقسَامِ الحديث عدَّة ** وكُلُّ واحدٍ أتى وحدَّه

أوَّلُها ‏(‏الصحيحُ‏)‏ وهوَ ما اتَّصَلْ ** إسنادُهُ ولْم يُشَذّ أو يُعلّ

يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ ** مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلِهِ

وَ‏(‏الَحسَنُ‏)‏ الَمعْرُوفُ طُرْقاً وغَدَتْ ** رِجَالُهُ لا كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ

وكُلُّ ما عَنْ رُتبةِ الُحسْنِ قَصْر ** فَهْوَ ‏(‏الضعيفُ‏)‏ وهوَ أقْسَاماً كُثُرْ

وما أُضيفَ للنبي ‏(‏الَمرْفوعُ‏)‏ ** وما لتَابِعٍ هُوَ ‏(‏المقْطوعُ‏)‏

وَ‏(‏الُمسْنَدُ‏)‏ الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ ** رَاويهِ حتَّى الُمصْطفى ولْم يَبِنْ

ومَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ ** إسْنَادُهُ للمُصْطَفى فَـ‏(‏الُمتَّصِلْ‏)‏

‏(‏مُسَلْسَلٌ‏)‏ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى ** مِثْلُ أمَا والله أنْبأنِي الفَتى

كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائِماً ** أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا

‏(‏عَزيزٌ‏)‏ مَروِيُّ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ ** ‏(‏مَشْهورٌ‏)‏ مَرْوِيُّ فَوْقَ ما ثَلاثَهْ

‏(‏مَعَنْعَنٌ‏)‏ كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ ** ‏(‏وَمُبهَمٌ‏)‏ مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَمْ

وكُلُّ مَا قَلَّت رِجَالُهُ ‏(‏عَلا‏)‏ ** وضِدُّهُ ذَاكَ الذِي قَدْ ‏(‏نَزَلا‏)‏

ومَا أضَفْتَهُ إلى الأصْحَابِ مِنْ ** قَوْلٍ وفعْلٍ فهْوَ ‏(‏مَوْقُوفٌ‏)‏ زُكِنْ

‏(‏وَمُرْسلٌ‏)‏ مِنهُ الصَّحَابُّي سَقَطْ ** وقُلْ ‏(‏غَريبٌ‏)‏ ما رَوَى رَاوٍ فَقَطْ

وكلُّ مَا لْم يَتَّصِلْ بِحَالِ ** إسْنَادُهُ ‏(‏مُنْقَطِعُ‏)‏ الأوْصَالِ

‏(‏والُمعْضَلُ‏)‏ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ** ومَا أتى ‏(‏مُدَلَّساً‏)‏ نَوعَانِ

الأوَّل الإسْقاطُ للشَّيخِ وأنْ ** يَنْقُلَ مَّمنْ فَوْقَهُ بعَنْ وأنْ

والثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لكنْ يَصِفْ ** أوْصَافَهُ بما بهِ لا يَنْعَرِفْ

ومَا يَخالِفُ ثِقةٌ فيهِ الَملا ** فـ‏(‏الشَّاذُّ‏)‏ و‏(‏الَمقْلوبُ‏)‏ قِسْمَانِ تَلا

إبْدَالُ راوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ ** وقَلْبُ إسْنَادٍ لمتنٍ قِسْمُ

وَ‏(‏الفَرَدُ‏)‏ ما قَيَّدْتَهُ بثِقَةِ ** أوْ جْمعٍ أوْ قَصِر على روايةِ

ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أوْ خَفَا ** ‏(‏مُعَلَّلٌ‏)‏ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا

وذُو اخْتِلافِ سنَدٍ أو مَتْنِ ** ‏(‏مُضْطربٌ‏)‏ عِنْدَ أهْلِ الفَنِّ

وَ‏(‏الُمدْرَجاتُ‏)‏ في الحديثِ ما أتَتْ ** مِنْ بَعْضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ

ومَا رَوى كلُّ قَرِينٍ عنْ أخهْ ** ‏(‏مُدَبَّجٌ‏)‏ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخِهْ

مُتَّفِقٌ لَفْظاً وخطاً ‏(‏مُتَّفقْ‏)‏ ** وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا ‏(‏الُمفْتِرقْ‏)‏

‏(‏مُؤْتَلِفٌ‏)‏ مُتَّفِقُ الخطِّ فَقَطْ ** وضِدُّهُ ‏(‏مُختَلِفٌ‏)‏ فَاخْشَ الغَلَطْ

‏(‏والُمنْكَرُ‏)‏ الفَردُ بهِ رَاوٍ غَدَا ** تَعْدِيلُهُ لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا

‏(‏مَتُروكُهُ‏)‏ مَا وَاحِدٌ بهِ انفَردْ ** وأجَمعُوا لضَعْفِه فَهُوَ كَرَدّ

والكذِبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ** علَى النَّبيِّ فذَلِكَ ‏(‏الموْضُوعُ‏)‏

وقَدْ أتَتْ كالَجوْهَرِ المكْنُونِ ** سَمَّيْتُهَا‏:‏ مَنْظُومَةَ البَيْقُوني

فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَتْ ** أقْسامُهَا ثمَّ بخيٍر خُتِمَتْ

مقدمة في علم مصطلح الحديث

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً‏.‏

أما بعد‏:‏

فهذه مقدمة في علم مصطلح الحديث‏:‏

المصطلح‏:‏ علم يعرف به أحوال الراوي والمروي من حيث القبول والرد‏.‏

وفائدة علم المصطلح‏:‏ هو تنقية الأدلة الحديثية وتخليصها مما يشوبها من‏:‏ ضعيف وغيره، ليتمكن من الاستدلال بها لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى أمرين هما‏:‏

1 - ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلّم‏.‏

2 - ثبوت دلالتها على الحكم‏.‏

فتكون العناية بالسنة النبوية أمراً مهماً، لأنه ينبني عليها أمرٌ مهم وهو ما كلف الله به العباد من عقائد وعبادات وأخلاق وغير ذلك‏.‏

وثبوت السنة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يختص بالحديث، لأن القرآن نُقل إلينا نقلاً متواتراً قطعياً، لفظاً ومعنى، ونقله الأصاغر عن الأكابر فلا يحتاج إلى البحث عن ثبوته‏.‏

ثم اعلم أن علم الحديث ينقسم إلى قسمين‏:‏

1 - علم الحديث رواية‏.‏

2 - علم الحديث دراية‏.‏

فعلم الحديث رواية يبحث عما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلّم من أقواله وأفعاله وأحواله‏.‏ ويبحث فيما يُنقل لا في النقل‏.‏

مثاله‏:‏ إذا جاءنا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم فإننا نبحث فيه هل هو قول أو فعل أو حال‏؟‏

وهل يدل على كذا أو لا يدل‏؟‏

فهذا هو علم الحديث رواية، وموضوعه البحث في ذات النبي صلى الله عليه وسلّم وما يصدر عن هذه الذات من أقوال وأفعال وأحوال، ومن الأفعال الإقرار، فإنه يعتبر فعلاً، وأما الأحوال فهي صفاته كالطول والقِصَر واللون، والغضب والفرح وما أشبه ذلك‏.‏

أما علم الحديث دراية فهو‏:‏ علم يُبحث فيه عن أحوال الراوي والمروي من حيث القبول والرد‏.‏

مثاله‏:‏ إذا وجدنا راوياً فإنا نبحث هل هذا الراوي مقبول أم مردود‏؟‏

أما المروي فإنه يُبحث فيه ما هو المقبول منه وما هو المردود‏؟‏

وبهذا نعرف أن قبول الراوي لا يستلزم قبول المروي؛ لأن السند قد يكون رجاله ثقاةً عدولاً، لكن قد يكون المتن شاذًّا أو معللاً فحينئذ لا نقبله‏.‏ كما أنه أحياناً لا يكون رجال السند يصِلون إلى حد القبول والثقة، ولكن الحديث نفسه يكون مقبولاً وذلك لأن له شواهد من الكتاب والسنة، أو قواعد الشريعة تؤيده‏.‏

إذن فائدة علم مصطلح الحديث هو‏:‏ معرفة ما يُقبل وما يردّ من الحديث‏.‏

وهذا مهمّ بحد ذاته؛ لأن الأحكام الشرعية مبنية على ثبوت الدليل وعدمه، وصحته وضعفه‏.‏


شرح المنظومة البيقونية

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏

البسملة آية من كتاب الله عز وجل، فهي من كلام الله تعالى، يُبتدأ بها في كل سورة من سور القرآن الكريم؛ إلا سورة ‏(‏براءة‏)‏ فإنها لا تُبدأ بالبسملة، اتباعاً للصحابة رضوان الله عليهم، ولو أن البسملة كانت قد نزلت في أول هذه السورة لكانت محفوظة كما حفظت في باقي السور، ولكنها لم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكن الصحابة أشكل عليهم، هل سورة ‏(‏براءة‏)‏ من الأنفال أم أنها سورة مستقلة‏؟‏ فوضعوا فاصلاً بينهما دون البسملة‏.‏

والبسملة فيها جار ومجرور، ومضاف إليه، وصفة‏.‏

فالجار والمجرور هو ‏(‏بسم‏)‏‏.‏

والمضاف إليه هو لفظ الجلالة ‏(‏الله‏)‏‏.‏

والصفة هي ‏(‏الرحمن الرحيم‏)‏‏.‏

وكل جارّ ومجرور لابد له من التعلق إما بفعل كقام، أو معناه كاسم الفاعل، أو اسم المفعول مثلاً‏.‏

فالبسملة متعلقة بمحذوف فما هو هذا المحذوف‏؟‏

اختلف النحويون في تقدير هذا المحذوف، لكن أحسن ما قيل فيه وهو الصحيح‏:‏ أن المحذوف فعلٌ متأخرٌ مناسب للمقام‏.‏

مثاله‏:‏ إذا قال رجل بسم الله، وهو يريد أن يقرأ النظم فإن التقدير يكون‏:‏ بسم الله اقرأ، وإذا كان الناظم هو الذي قال‏:‏ بسم الله فإن التقدير يكون‏:‏ بسم الله أنظم‏.‏

ولماذا قدّرناه فعلاً ولم نقدّره اسم فاعلٍ مثلاً‏؟‏

نقول‏:‏ قدّرناه فعلاً، لأن الأصل في العمل الأفعال، ولهذا يعمل الفعل بدون شرط، وما سواه من العوامل الإسمية فإنها تحتاج إلى شرط‏.‏

ولماذا قدرناه متأخراً‏؟‏

نقول قدّرناه متأخراً لوجهين‏:‏

1 - التيمُّن بالبداءة باسم الله تعالى؛ ليكون اسم الله تعالى هو المقدّم، وحق له أن يُقدّم‏.‏

2 - لإفادة الحصر؛ وذلك لأن تأخير العامل يفيد الحصر، فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر‏.‏ فإذا قلت‏:‏ بسم الله اقرأ، تعيَّن أنك تقرأ باسم الله لا باسم غيره‏.‏

ونحن قدرناه مناسباً للمقام لأنه أدل على المقصود، ولأنه لا يخطر في ذهن المبسمل إلا هذا التقدير‏.‏

مثاله‏:‏ لو أنك سألت الرجل الذي قال عند الوضوء بسم الله عن التقدير في قوله‏:‏ بسم الله، لقال‏:‏ بسم الله أتوضأ‏.‏

ولو قال قائل‏:‏ أنا أُريد أن أُقدّر المتعلق بسم الله أبتدئ‏.‏

فإننا نقول‏:‏ لا بأس بذلك، لكن أبتدئ‏:‏ فعل عام يشمل ابتداءك بالأكل والوضوء والنظم، وكما قلنا فإن هذا التقدير لا يتبادر إلى ذهن المبسمل‏.‏

أما اسم فيقولون‏:‏ إنه مشتق من السمو، وهو العلو‏.‏

وقيل‏:‏ من السمة وهي العلامة‏.‏

والاسم مهما كان اشتقاقه فإنه يُراد به هنا كل اسم من أسماء الله الحسنى، أي أنه لا يُراد به اسم واحد بعينه مع أنه مفرد؛ لأن القاعدة‏:‏ أن المفرد المضاف يفيد العموم، فبذلك يلزم من قولنا‏:‏ بسم الله، أن يكون المعنى‏:‏ بكل اسم من أسماء الله الحسنى‏.‏ ولهذا تجد القائل‏:‏ بسم الله، لا يخطر بباله اسم معين كالرحمن والرحيم والغفور والودود والشكور ونحوها، بل هو يريد العموم ويدل على ذلك، أي على أن المفرد المضاف للعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 34‏]‏‏.‏ ولو كان المراد نعمة واحدة لما قال ‏{‏لاَ تُحْصُوهَا‏}‏‏.‏ إذاً فالمعنى ابتدىء بكل اسم من أسماء الله عز وجل‏.‏

والباء في قوله‏:‏ بسم الله أهي للاستعانة أم للمصاحبة‏؟‏

هناك من قال‏:‏ إنها للاستعانة‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنها للمصاحبة‏.‏

وممن قال إنها للمصاحبة؛ الزمخشري صاحب الشكاف وهو معتزلي من المعتزلة، وكتابه الكشاف فيه اعتزاليات كثيرة قد لا يستطيع أن يعرفها كل إنسان، حتى قال البلقيني‏:‏ أخرجت من الكشاف اعتزاليات بالمناقيش‏.‏ وهذا يدل على أنها خفية‏.‏

والزمخشري رجَّح أن الباء للمصاحبة، مع أن الظاهر أنها للاستعانة‏!‏ لكنه رجّح المصاحبة؛ لأن المعتزلة يرون أن الإنسان مستقلٌّ بعمله فإذا كان مستقلاً بعمله فإنه لا يحتاج للاستعانة‏.‏

لكن لا شك أن المراد بالباء هو‏:‏ الاستعانة التي تصاحب كل الفعل، فهي في الأصل للاستعانة وهي مصاحبة للإنسان من أول الفعل إلى آخره، وقد تفيد معنى آخراً وهو التبرك إذا لم نحمل التبرك على الاستعانة، ونقول كل مستعين بشيء فإنه متبرك به‏.‏

الله‏:‏ لفظ الجلالة علمٌ على الذات العلية لا يسمى به غيره، وهو مشتق من الألوهية، وأصله إله لكن حذفت الهمزة، وعُوض عنها بـ‏(‏أل‏)‏ فصارت ‏(‏الله‏)‏‏.‏

وقيل‏:‏ أصله الإله وأنَّ ‏(‏أل‏)‏ موجودة في بنائه من الأصل وحُذفت الهمزة للتخفيف، كما حذفت من الناس وأصلها ‏(‏الأُناس‏)‏ وكما حُذفت الهمزة من ‏(‏خير وشر‏)‏ وأصلها أخير وأشر‏.‏

ومعنى الله‏:‏ مأخوذة من الألوهية وهي التعبد بحب وتعظيم، يقال‏:‏ ألهَ إليه أي‏:‏ اشتاق إليه، وأحبه، وأناب إليه، وعظمه‏.‏

فهي مشتقة من الألوهية، وهي المحبة والتعظيم‏.‏

وعليه فيكون إله بمعنى مألوه، أي‏:‏ معبود‏.‏

وهل فِعَال تأتي بمعنى مفعول‏؟‏

نقول‏:‏ نعم؛ مثل فراش بمعنى مفروش، وبناء بمعنى مبنوء‏.‏ وغراس بمعنى مغروس‏.‏

وأما الرحمن‏:‏ فهو نعت للفظ الجلالة، وهو أيضاً اسم من أسماء الله تعالى يدل على الرحمة، وجميع الذين حدوا الرحمة حدوها بآثارها فمثلاً‏:‏ أنا أرحم الصغير فما هو معنى أرحم هل هو العظف أو هو الرفق به‏.‏

الجواب‏:‏ لا؛ لأن العطف من آثار الرحمة، وكذلك الرفق به من آثار الرحمة‏.‏

فالرحمة هي الرحمة‏!‏ فلا تستطيع أن تعرِّفها أو تحددها بأوضح من لفظها‏.‏

فنقول إن الرحمة معلومة المعنى، ومجهولة الكيفية بالنسبة لله عز وجل، ولكنها معلومة الاثار، فالرحمن اسم من أسماء الله تعالى يدل على صفة الرحمة‏.‏

وأما الرحيم‏:‏ فهو اسم متضمن للرحمة‏.‏

وهل الرحيم بمعنى الرحمن، أم أنه يختلف‏؟‏

قال بعض العلماء‏:‏ إنه بمعنى الرحمن، وعلى هذا فيكون مؤكداً لا كلاماً مستقلاً، ولكن بعض العلماء قال‏:‏ إن المعنى يختلف؛ ولا يمكن أن نقول إنه بمعنى الرحمن لوجهين‏:‏

1 - أن الأصل في الكلام التأسيس لا التوكيد، يعني أنه إذا قال لنا شخص إن هذه الكلمة مؤكدة لما قبلها، فإننا نقول له إن الأصل أنها كلمة مستقلة، تفيد معنى غير الأول، وذلك لأن الأصل في التوكيد الزيادة، والأصل في الكلام عدم الزيادة‏.‏

2 - اختلاف بناية الكلمة الأولى، وهي الرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، والقاعدة في اللغة العربية‏:‏ أن اختلاف المبنى يدلُّ على اختلاف المعنى‏.‏

إذاً لابد أنه مختلف، فما وجه الخلاف‏؟‏

قال بعض العلماء‏:‏ إن الرحمن يدل على الرحمة العامة، والرحيم يدل على الرحمة الخاصة، لأن رحمة الله تعالى نوعان‏:‏

1 - رحمة عامة؛ وهي لجميع الخلق‏.‏

2 - رحمة خاصة؛ وهي للمؤمنين كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 43‏]‏‏.‏

وبعضهم قال‏:‏ الرحمن يدل على الصفة، والرحيم يدل على الفعل، فمعنى الرحمن يعني ذو الرحمة الواسعة، والمراد بالرحيم إيصال الرحمة إلى المرحوم، فيكون الرحمن ملاحظاً فيه الوصف، والرحيم ملاحظاً فيه الفعل‏.‏

والقول الأقرب عندي هو‏:‏ القول الثاني وهو أن الرحمن يدل على الصفة، والرحيم يدل على الفعل‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّياً على ** محمدٍ خَيِر نبي أُرسلا

قوله‏:‏ أبدأ بالحمد‏:‏ يوحي بأنه لم يذكر البسملة، فإنه لو بدأ بالبسملة؛ لكانت البسملة هي الأولى، ولذلك يشك الإنسان هل بدأ المؤلف بالبسملة أم لا‏؟‏ لكن الشارح ذكر أن المؤلف بدأ النظم بالبسملة، وبناء على هذا تكون البداءة هنا نسبية أي‏:‏ بالنسبة للدخول في موضوع الكتاب أو صلب الكتاب‏.‏

وقوله بالحمد مصلياً‏:‏ نصَبَ مصلياً على أنه حال من الضمير في أبدأ، والتقدير حال كوني مصلياً‏.‏

ومعنى الحمد كما قال العلماء‏:‏ هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً، فإن وصفَهُ بالكمال لا محبة ولا تعظيماً، ولكن خوفاً ورهبة سُمي ذلك مدحاً لا حمداً، فالحمد لابد أن يكون مقروناً بمحبة المحمود وتعظيمه‏.‏

وقول المؤلف بالحمد‏:‏ لم يذكر المحمود، ولكنه معلومٌ بقرينة الحال، لأن المؤلف مسلمٌ؛ فالحمد يقصد به حمد الله سبحانه وتعالى‏.‏

ومعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم هو‏:‏ طلب الثناء عليه من الله تعالى، وهذا ما إذا وقعت الصلاة من البشر، أما إذا وقعت من الله تعالى فمعناها ثناء الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، وهذا هو قول أبي العالية، وأما من قال إن الصلاة من الله تعالى تعني الرحمة، فإن هذا القول ضعيفٌ، يضعّفُه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 157‏]‏‏.‏ ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة، لكان معنى الاية أي‏:‏ أولئك عليهم رحماتٌ من ربهم ورحمة، وهذا لا يستقيم‏!‏ والأصل في الكلام التأسيس؛ فإذا قلنا إن المعنى أي‏:‏ رحمات من ربهم ورحمة، صار عطف مماثل على مماثل‏.‏

فالصحيح هو‏:‏ القول الأول وهو أن صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى‏.‏

وقوله محمد خير نبي أُرسلا‏:‏ محمد‏:‏ هو اسمٌ من أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم، وقد ذكر الله تعالى اسمين من أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم في القرآن الكريم وهما‏:‏

أحمد‏.‏

ومحمد‏.‏

أما أحمد‏:‏ فقد ذكره نقلاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد اختار عيسى ذلك؛ إما لأنه لم يُوح إليه إلا بذلك، وإما لأنه يدل على التفضيل، فإن أحمد اسم تفضيل في الأصل، كما تقول‏:‏ فلان أحمد الناس، فخاطب بني إسرائيل ليبين كمالَهُ‏.‏

أما محمد فهو اسم مفعول من حمده، ولكن الأقرب أن الله تعالى أوحى إليه بذلك لسببين هما‏:‏

1 - لكي يبين لبني إسرائيل أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو أحمدُ الناس وأفضلهم‏.‏

2 - لكي يبتلي بني إسرائيل ويمتحنهم، وذلك لأن النصارى قالوا‏:‏ إن الذي بشرنا به عيسى هو أحمد، والذي جاء للعرب هو محمد، وأحمد غير محمد، فإن أحمد لم يأتِ بعدُ، وهؤلاء قال الله فيهم ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ‏}‏‏.‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏‏.‏

ولكن نقول لهم‏:‏ إن قولكم أنه لم يأتِ بعدُ؛ كذب لأن الله تعالى قال في نفس الآية ‏{‏فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ‏}‏‏.‏ ‏[‏الصف‏:‏ 6‏]‏‏.‏ و‏(‏جاء‏)‏ فعلٌ ماضي، يعني أن أحمد جاء، ولا نعلم أن أحداً جاء بعد عيسى إلا محمد صلى الله عليه وسلّم‏.‏

وبين محمد وأحمد فرق في الصيغة والمعنى‏:‏

أما في الصيغة‏:‏ فمحمد‏:‏ اسم مفعول، وأحمد‏:‏ اسم تفضيل‏.‏

أما الفرق بينهما في المعنى‏:‏

ففي محمد‏:‏ يكون الفعل واقعاً من الناس‏.‏

أي‏:‏ أن الناس يحمدونه‏.‏

وفي أحمد‏:‏ يكون الفعل واقعاً منه، يعني أنه صلى الله عليه وسلّم أحمدُ الناس لله تعالى، يكون واقعاً عليه يعني أنه هو أحقُ الناس أن يُحمد‏.‏

فيكون محمدٌ حُمدَ بالفعل‏.‏

وأحمد أي كان حمده على وجه يستحقه؛ لأنه أحقُّ الناس أن يُحمد، ولعل هذا هو السر في أن الله تعالى ألهم عيسى أن يقول‏:‏ ‏{‏وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 6‏]‏‏.‏ حتى يبين لبني إسرائيل أنه أحمدُ الناس لله تعالى، وأنه أحقُّ الناس بأن يُحمد‏.‏

وقوله خير نبي أرسلا‏:‏ جمع المؤلف هنا بين النبوة والرسالة، لأن النبي مشتق مع النبأ فهو فعيلٌ بمعنى مفعول، أو هو مشتق من النبوة أي نبا ينبوا إذا ارتفع، والنبي لا شك أنه رفيع الرتبة، ومحمد صلى الله عليه وسلّم أكمل منْ أرسل وأكمل من أنبىء، ولهذا قال محمد خير نبي أرسلاً‏.‏

والمؤلف هنا قال نبي أُرسلا‏:‏ ولم يقل خير رسول أُرسلا، وذلك لأن كل رسول نبي، ودلالة الرسالة على النبوة من باب دلالة اللزوم؛ لأن من لازم كونه رسولاً أن يكون نبيًّا، فإذا ذُكر اللفظ صريحاً كان ذلك أفصح في الدلالة على المقصود، فالجمع بين النبوة والرسالة نستفيد منه أنه نصّ على النبوة، ولو اقتُصر على الرسالة لم نستفد معنى النبوة إلا عن طريق اللزوم، وكون اللفظ دالاً على المعنى بنصه أولى من كونه دالاً باستلزامه‏.‏ كما في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند تعليم النبي صلى الله عليه وسلّم له دعاء النوم فلما أعاد البراء بن عازب - رضي الله عنه - الدعاء قال‏:‏ وبرسولك الذي أرسلت‏.‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «لا؛ قل‏:‏ وبنبيك الذي أرسلت»‏.‏ لأجل أن تكون الدلالة على النبوة دلالة نصيَّة، هذا من جهة‏.‏

ومن جهة أخرى‏:‏ أنه إذا قال‏:‏ خير رسول‏:‏ فإن لفظ الرسول يشمل الرسول الملكي وهو جبريل عليه السلام، ويشمل الرسول البشري وهو محمد صلى الله عليه وسلّم، لكن‏!‏ على كل حال في كلام المؤلف كلمة‏:‏ محمد تخرج منه جبريل عليه السلام‏.‏

والألف في قوله‏:‏ أُرسلا يُسميها العلماء ألف الإطلاق، أي‏:‏ إطلاق الروي‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

وذي من أقسامِ الحديث عدَّه ** وكلُّ واحدٍ أتى وحَدَّه

قوله ‏(‏ذي‏)‏ اسم إشارة‏.‏

والمشار إليه‏:‏ ما ترتب في ذهن المؤلف‏.‏ إن كانت الإشارة قبل التصنيف وإن كانت الإشارة بعد التصنيف، فالمشار إليه هو الشيء الحاضر الموجود في الخارج‏.‏

فما المراد بالحديث هنا، أعلمُ الدراية أم علم الرواية‏؟‏

نقول المراد بقوله ‏(‏أقسام الحديث‏)‏ هنا علم الدراية‏.‏

وقوله ‏(‏عدَّه‏)‏ أي عدد ليس بكثير‏.‏

وقوله ‏(‏وكل واحد أتى وحدَّه‏)‏ أي أن كل واحد من هذه الأقسام جاء به المؤلف‏.‏

وقوله ‏(‏أتى وحدَّه‏)‏ الواو هنا واو المعيَّة، و‏(‏حدَّه‏)‏ مفعول معه، وهنا قاعدة وهي‏:‏ إذا عُطف على الضمير المستتر فالأفصح أن تكون الواو للمعية ويُنصب ما بعدها‏.‏

فإذا قلت‏:‏ محمدٌ جاء وعليًّا، فإنه أفصح من قولك‏:‏ محمدٌ جاء وعلي‏.‏ لأن واو المعية تدل على المصاحبة، فالمصحوب هو الضمير‏.‏

ومعنى ‏(‏حدَّه‏)‏ أي تعريفه، والحدُّ‏:‏ هو التعريف بالشيء‏.‏ ويشترط في الحد أن يكون مطرد وأن يكون منعكساً، يعني أن الحدّ يُشترط ألا يخرج عنه شيء من المحدود، وألا يدخل فيه شيء من غير المحدود‏.‏

فمثلاً‏:‏ إذا حددنا الإنسان كما يقولون‏:‏ أنه حيوانٌ ناطق، وهذا الحدُّ يقولون‏:‏ إنه مطرد، ومنعكس‏.‏

فقولنا‏:‏ ‏(‏حيوانٌ‏)‏ خرج به ما ليس بحيوان كالجماد‏.‏

وقولنا‏:‏ ‏(‏ناطق‏)‏ خرج به ما ليس بناطق كالبهيم، فهذا الحد الان تام لا يدخل فيه شيء من غير المحدود ولا يخرج منه شيء من المحدود‏.‏

ولو قلنا‏:‏ إن الإنسان حيوان فقط؛ فهذا لا يصح‏!‏ لماذا‏؟‏

لأنه يدخل فيه ما ليس منه، فإننا إذا قلنا إن الإنسان حيوانٌ لدخل فيه البهيم والناطق‏.‏

وإذا قلنا‏:‏ إن الإنسان حيوانٌ ناطق عاقل، فهذا لا يصح أيضاً؛ لأنه يخرج منه بعض أفراد المحدود وهو المجنون‏.‏

إذاً فلابد في الحد أن يكون مطرداً منعكساً‏.‏

وإذا قلنا في الوضوء‏:‏ إنه غسل الأعضاء الأربعة فقط، فهذا لا يصح، فلابد أن تقول‏:‏ على صفة مخصوصة، لأنك لو غسلت هذه الأعضاء غير مرتبة لم يكن هذا وضوءاً شرعيًّا‏.‏

ولو قلت‏:‏ الوضوء هو غسل الأعضاء الأربعة ثلاثاً على صفة مخصوصة، فإن هذا أيضاً لا يصح، لأنه يخرج منه بعض المحدود، فإنه يخرج منه الوضوء، إذا كان غسل الأعضاء فيه مرة واحدة‏.‏

وعلى كل حال فالحد هو التعريف، وهو‏:‏ «الوصف المحيط بموصوفه، المميز له عن غيره»‏.‏

وشرطه‏:‏ أن يكون مطرداً منعكساً، أي لا يخرج شيء من أفراده عنه، ولا يدخل فيه شيء من غير أفراده‏.‏

أقسام الحديث






شرح منضومة البيقونية  Ichkaliya
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://boudjemaafathi.page.tl
boudjemaa fathi khalloul
عضو جديد
عضو جديد
boudjemaa fathi khalloul


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 78
نقاط : 10188
السٌّمعَة : 2
سجل في: : 05/03/2011

شرح منضومة البيقونية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح منضومة البيقونية    شرح منضومة البيقونية  Icon_minitimeالخميس 10 مارس 2011 - 21:31

ثم قال المؤلف رحمه الله‏:‏

كذاكَ قدْ حدَثَنيه قائما ** أو بعدَ أن حدَّثَنِي تَبَسَّمَا

يعني أن من صور المسلسل، أن يقول الراوي‏:‏ حدثني فلان قائماً، قال‏:‏ حدثني فلان قائماً، قال حدثني فلان قائماً، قال‏:‏ حدثني فلان قائماً وهكذا إلى نهاية السند‏.‏

ومثله ما لو قال‏:‏ حدثني فلان وهو مضطجع على فراشه، ثم اتفق الرواة على مثل ذلك فإنه يكون مسلسلاً‏.‏

ومن صوره أن يقول‏:‏ حدثني، ثم تبسم، ويستمر ذلك في جميع السند‏.‏

ولو أن الرواة اتفقوا في رواية حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة الرجل المجامع في نهار رمضان، الذي قال بعد أن أتته الصدقة‏:‏ «يا رسول الله، أعلى أفقر مني‏؟‏ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني»، فضحك النبي صلى الله عليه وسلّم حتى بدت نواجذه، فصار كل محدث يضحك إذا وصل إلى هذه الجملة، حتى تبدوا نواجذه، فنُسمِّي هذا أيضاً مسلسلاً، لأن الرواة اتفقوا فيه على حال واحدة وهي الضحك‏.‏

ما هي الفائدة من معرفة المسلسل‏؟‏

نقول‏:‏ إن معرفة المسلسل لها فوائد هي‏:‏

أولاً‏:‏ هو في الحقيقة فن طريف، حيث إن الرواة يتفقون فيه على حال معينة لاسيما إذا قال‏:‏ حدثني وهو على فراشه نائمٌ، حدثني وهو يتوضأ، حدثني وهو يأكل، حدثني ثم تبسم، حدثني ثم بكى، فهذه الحالة طريفة، وهي أن يتفق الرواة كلهم على حال واحدة‏.‏

ثانياً‏:‏ أن في نقله مسلسلاً هكذا؛ حتى لدرجة وصف حال الراوي، فيه دليل على تمام ضبط الرواة، وأن بعضهم قد ضبط حتى حال الراوي حين رواه، فهو يزيد الحديث قوة‏.‏

ثالثاً‏:‏ أنه كان التسلسل مما يقرب إلى الله، صار فيه زيادة قربة وعبادة، مثل ما في حديث معاذ - رضي الله عنه - «إني أحبك فلا تدعنَّ‏.‏‏.‏‏.‏» فكون كل واحد من الرواة يقول للثاني إني أحبُّك، كان هذا مما يزيد في الإيمان، ويزيد الإنسان قربة إلى الله تعالى، لأن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله‏.‏

ثم قال المؤلف رحمه الله‏:‏

عَزِيزٌ مَروي اثنيِن أو ثلاثه ** مشهورٌ مروي فوق ما ثلاثه

ذكر المؤلف في هذا البيت قسمين من أقسام الحديث وهما‏:‏ العزيز والمشهور، وبهما يتم التاسع والعاشر من أقسام الحديث التي في النظم‏.‏

العزيز في اللغة‏:‏ مأخوذ من عزَّ إذا قوي، وله معاني أُخرى، منها القوة، والغلبة، والامتناع، لكن الذي يهمنا في باب المصطلح هو المعنى الأول وهو القوة‏.‏

أما في الاصطلاح فهو‏:‏ ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند‏.‏

والمؤلف هنا لم يشترط أن يكون مرفوعاً، فيشمل المرفوع، والموقوف، والمقطوع، لأنه قال ‏(‏مروي اثنين‏)‏ ولم يقل ‏(‏مروي اثنين مرفوعاً‏)‏، ولهذا فإنه لا يشترط في العزيز أن يكون مرفوعاً‏.‏

ووجه تسميته عزيزاً‏:‏ لأنه قوي برواية الثاني، وكلما كثُرَ المخبرون ازداد الحديث أو الخبر قوة، فإنه لو أخبرك ثقة بخبر، ثم جاء ثقة آخر فأخبرك بنفس الخبر، ثم جاءك ثالث، ثم رابع، فأخبروك بالخبر، لكان هذا الخبر يزداد قوة بازدياد المخبر به‏.‏

وقوله ‏(‏أو ثلاثة‏)‏‏.‏

‏(‏أو‏)‏ للتنويع، ومن حيث الصيغة يحتمل أن تكون للخلاف لكنه لما قال فيما بعد ‏(‏مشهور مروي فوق ما ثلاثة‏)‏ عرفنا أن ‏(‏أو‏)‏ هنا للتنويع يعني أن العزيز هو ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، أو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى آخره‏.‏ فما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهى السند يعتبر - في رأي المؤلف - عزيزاً لأنه قوي بالطريقين الاخرين‏.‏

ولكن المشهور عند المتأخرين‏:‏ أن العزيز هو‏:‏ ما رواه اثنان فقط‏.‏

وأن المشهور هو‏:‏ ما رواه ثلاثة فأكثر، وعلى هذا فيكون قول المؤلف ‏(‏أو ثلاثة‏)‏ مرجوحاً، والصواب أن العزيز هو‏:‏ ما رواه اثنان فقط من أول السند إلى آخره‏.‏

أما لو رواه اثنان عن واحد عن اثنين عن اثنين إلى منتهاه فإنه لا يسمى عزيزاً، لأنه اختل شرط، في طبقة من الطبقات، وإذا اختل شرط ولو في طبقة من الطبقات اختل المشروط‏.‏

وهل العزيز شرطٌ للصحيح‏؟‏

نقول‏:‏ إن العزيز ليس شرطاً للصحيح‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ بل إنه شرط للصحيح‏.‏

قالوا‏:‏ لأن الشهادة لا تقبل إلا من اثنين، ولا شك أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم أعظم مشهود به، ولهذا فإن من كذب على النبي صلى الله عليه وسلّم متعمداً فليتبوأ مقعده من النار‏.‏

ولكن قد سبق لنا في كلام المؤلف أن هذا ليس بشرط وهو في قوله ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ ما اتصل إسناده ولم يُشذ أو يُعل‏)‏ ولم يذكر اشتراط أن يكون عزيزاً‏.‏

ويُجاب عن قول من قال‏:‏ بأن الشهادة لا تُقبل إلا باثنين‏.‏

بأن هذا خبٌر، وليس بشهادة، والخبر يكفي فيه الواحد، بدليل أن المؤذن يؤذن، ويفطر الناس على أذانه، مع أنه واحد، لأن هذا خبر ديني يكفي فيه الواحد، ويدلُّ لهذا‏:‏ أن العلماء اتفقوا على قبول حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرضاه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول‏:‏ «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ وهذا الحديث في ثلاث طبقات لم يُرو إلا عن واحد واحد، فدل ذلك على أنه ليس من شرط الصحيح أن يكون مروي اثنين فأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشهور مروي فوق ما ثلاثة‏)‏‏.‏

هذا رأي المؤلف، وعلى القول الراجح نقول‏:‏ مشهور مروي فوق ما اثنين، فالمشهور على كلام المؤلف هو ما رواه أربعة فصاعداً، وعلى القول الصحيح هو‏:‏ ما رواه ثلاثة فصاعداً، ولم يصل إلى حد التواتر‏.‏

والمشهور يُطلق على معنيين هما‏:‏

ما اشتهر بين الناس‏.‏

ما اصطلح على تسميته مشهوراً‏.‏

أما ما اشتهر بين الناس فإنه أيضاً على نوعين‏:‏

‏(‏أ‏)‏ ما اشتهر عند العامة‏.‏

‏(‏ب‏)‏ ما اشتهر عند أهل العلم‏.‏

فأما ما اشتهر عند العامة‏:‏ فلا حكم له؛ لأنه قد يشتهر عند العامة بعض الأحاديث الموضوعة فهذا لا عبرة به، ولا أثر لاشتهاره عند العامة، لأن العامة ليسوا أهلاً للقبول أو الرد، حتى نقول إن ما اشتهر عندهم مقبول، ولهذا نجد كثيراً من الأحاديث المشتهرة عند العامة قد ألَّف العلماء فيها مؤلفات مثل كتاب ‏(‏تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث‏)‏‏.‏

ومما اشتهر من الأحاديث عندهم ‏(‏خير الأسماء ما حِّمد وعُبِّد‏)‏ وهذا مشتهر عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث لا أصل له، ولم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلّم، بل قال النبي صلى الله عليه وسلّم «أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن»

ومثله ‏(‏حب الوطن من الإيمان‏)‏ وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب‏.‏

ومثله حديث ‏(‏يوم صومكم يوم نحركم‏)‏ وهو مشهور عند العامة، على أنه حديث صحيح، وهو لا أصل له‏.‏

ومثله ما يقال ‏(‏رابعة رجب غرة رمضان فيها تنحرون‏)‏ وهو حديث منمق لا أصل له، ويعني أن اليوم الرابع لرجب، هو اليوم الأول لرمضان، وهو اليوم العاشر لذي الحجة، وهو باطل غير صحيح‏.‏

والنوع الثاني هو المشهور عند العلماء فهذا يحتج به بعض العلماء وإن لم يكن له إسناد، ويقول‏:‏ لأن اشتهاره عند أهل العلم، وقبولهم إياه وأخذهم به، يدل على أن له أصلاً‏.‏

ومن ذلك حديث «لا يقاد الوالد بالولد» يعني لا يُقتل الوالد بالولد قصاصاً، وهو مشهور عند العلماء، فمنهم من أخذ به، وقال لأن اشتهاره عند العلماء وتداولهم إياه واستدلالهم به يدل على أن له أصلاً‏.‏

ومن العلماء من لم يعتبر بهذا‏.‏

ومنهم من فصَّل وقال‏:‏ إن لم يُخالف ظاهر النص فهو مقبول‏.‏

أما إن خالف ظاهر النص فهو مردود، وهذا أقرب الأقوال الثلاثة وهو‏:‏ أن ما اشتهر بين العلماء يُنظر فيه، فإن لم يُخالف نصًّا فهو مقبول، وإن خالف نصًّا فليس بمقبول‏.‏

مثلاً ‏(‏لا يُقاد الوالد بالولد‏)‏ مخالف لظاهر النص وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 45‏]‏‏.‏ الاية‏.‏ بل ويخالف قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 178‏]‏ الاية‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ النفس بالنفس‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

معنعنٌ كعن سعيدٍ عن كَرَمْ ** ومبهمٌ ما فيه راو لم يُسَمْ

المعنعن مأخوذٌ من كلمة ‏(‏عن‏)‏ وهو‏:‏ ما أُدي بصيغة عن‏.‏

وهذا هو القسم الحادي عشر، من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم مثل أن يقول‏:‏ عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ومثل أن يقول‏:‏ حدثني فلان، عن فلان، عن فلان، عن فلان‏.‏

واقتصر المؤلف على التعريف بالمثال؛ لأن التعريف بالمثال جائز، إذ أن المقصود بالتعريف هو إيضاح المعرَّف، والمثال قد يُغني عن الحد، والمثال الذي ذكره المؤلف هو ‏(‏عن سعيد عن كرم‏)‏ فيقول أروي هذا الحديث عن سعيد عن كرم، هذا هو المعنعن‏.‏

وهناك نوع آخر مثله وهو المؤنن، وهو ما روي بلفظ ‏(‏أن‏)‏، مثل أن يقول‏:‏ حدثني فلان أن فلاناً قال‏:‏ أن فلاناً قال‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

وحكم المعنعن والمؤنن هو‏:‏ الاتصال، إلا ممن عُرف بالتدليس، فإنه لا يُحكم باتصاله إلا بعد أن يُصرح بالسماع في موضع آخر‏.‏ ومن ثم نحتاج إلى معرفة المدلسين، وذلك لكي تستطيع أن تعرف الحديث إذا جاء بلفظ ‏(‏عن‏)‏، وكان عن مدلس فإنه لا يُحكم له بالاتصال، لأن المدلس قد يُسقط الراوي الذي بينه وبين المذكور تدليساً، لأن الراوي الذي أسقطه قد يكون ضعيفاً في روايته، أو في دينه، فيُسقطه حتى يظهر السند بمظهر الصحيح، فهذا لا نحمله على الاتصال ونخشى من تدليسه، وهذا من احتياط أهل العلم لسنة النبي صلى الله عليه وسلّم، ومن نعمة الله تعالى على هذه الأمة حيث إنهم كانوا يتحرزون أشد التحرز فيما يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم‏.‏

قوله ‏(‏ومبهمٌ ما فيه راوٍ لم يُسم‏)‏‏.‏

والمبهم هو‏:‏ الذي فيه راو لم يسم، وهذا هو القسم الثاني عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم‏.‏

مثل أن يقول‏:‏ حدثني رجل، قال‏:‏ حدثني فلانٌ عن فلان عن فلان، فإننا نسمي هذا الحديث مبهماً، لأنه أُبهم فيه الراوي، وكذلك إذا قال‏:‏ حدثني الثقة فإنه أيضاً يكون مبهماً، لأننا لا ندري من هو هذا الثقة فقد يكون ثقة عند المحدث، وليس بثقة عند غيره‏.‏

وكذلك إذا قال‏:‏ حدثني من أثق به، فهذا أيضاً يكون مبهماً‏.‏

وكذلك إذا قال‏:‏ حدثني صاحب هذه الدار فإنه يكون مبهماً ما لم يكن صاحب الدار معروفاً‏.‏

إذاً فالمبهم هو‏:‏ كل ما فيه راوٍ لم يُسم، أما ما كان الحديث فيه عن رجل لم يسمَّ مثل حديث أنسٍ - رضي الله عنه - قال‏:‏ دخل أعرابي يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلّم يخطب‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث، فالأعرابي هنا مبهم، لكنه لا يدخل في التعريف الذي معنا، لأن الأعرابي هنا لم يحدث بالحديث، ولكنه تُحدِّث عنه‏.‏

إذاً فقوله ‏(‏ما فيه راوٍ لم يُسمّ‏)‏ معناه أي‏:‏ ما كان في السند راوٍ لم يسمّ‏.‏

وحكم المبهم أن حديثه لا يُقبل، حتى يُعلم من هو هذا المبهم، وذلك لجهالتنا بحال هذا المبهم، إلا المبهم من الصحابة فإن إبهامه لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدولٌ ثقاتٌ بشهادة الله تعالى لهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 10‏]‏‏.‏ وتزكيته إياهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 29‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏]‏‏.‏

إذاً فحكم الحديث المبهم أنه موقوف حتى يتبين من هو هذا المبهم إلا الصحابة رضوان الله عليهم فإن المبهم منهم مقبول كما سبق بيانه‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

وكُلُّ ما قَلّتْ رجَالُهُ ‏(‏عَلا‏)‏ ** وضِدُّه ذاكَ الذي قَدْ ‏(‏نَزَلا‏)‏

هذان قسمان من أقسام الحديث وهما الثالث عشر والرابع عشر مما ذُكر في هذا النظم وهما العالي، والنازل‏.‏

وعلو الإسناد ونزوله من وصف الإسناد‏.‏

وينقسم العلو إلى قسمين‏:‏

علو عدد، وهو ما عرّفه المؤلف بقوله ‏(‏ما قلت رجاله‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ فكل ما قل رجال السند فيه فهو عالٍ، وكل ما كثر رجال السند فيه فهو نازل، وذلك لأنه إذا قلَّ عدد الرجال، قلت الوسائط، وكلما قلت الوسائط ضعف احتمال الخطأ، ويتضح هذا بالمثال‏:‏

فإذا كان الرواة زيداً، عن عمرو، عن بكر، فالخطأ يحتمل في الأول، ويحتمل في الثاني، ويحتمل في الثالث، فالاحتمالات ثلاثة، وإذا كانوا زيداً، عن عمرو، عن بكر، عن خالد، عن سفيان، صار عندنا خمسة احتمالات، ومعلوم أنه كلما قل احتمال الخطأ كان أقرب إلى القبول‏.‏

فإذا رُوي الحديث بسند بينه وبين الراوي خمسة، ورُوي من طريق آخر بينه وبين الراوي ثلاثة، فالثاني هو العالي، والأول هو النازل، لأن احتمال الخطأ في الثلاثة أقل من احتمال الخطأ في الخمسة‏.‏

وهل يلزم من علو السند عدداً أن يكون أصحَّ من النازل‏؟‏

نقول‏:‏ لا يلزم ذلك، لأن هذا العدد القليل من الرواة قد يكون الرواة فيه ضعفاء، ويكون في العدد الكثير الرواة فيه ثقات أثبات، فلا يلزم من علو الإسناد عدداً، أن يكون العالي أصح، لأن اعتبار حال الرجال أمرٌ مهم‏.‏

علو صفة‏.‏ وذلك بأن يكون رجال السند أثبت في الحفظ والعدالة من السند الاخر‏.‏

مثاله‏:‏

إذا روي الحديث من طريق عدد رجاله ثلاثة، وروي من طريق آخر عدد رجاله ثلاثة، لكن رجال الطريق الأول أضعف من الطريق الثاني في الحفظ، والعدالة، فالثاني بلا شك أقوى وأعلى من الطريق الأول‏.‏

ولو رُوي الحديث من طريق فيه أربعة رجال، وروي من طريق آخر فيه ثلاثة رجال، لكن الطريق الأول أثبت من الطريق الثاني في العدالة والحفظ، فالأول أعلى باعتبار حال الرواة‏.‏

يعني أن الأول أعلى علو صفة، والثاني أعلى علو عدد، ففي هذه الحالة أيهما نقدم‏؟‏

نقول‏:‏ نقدم الأول وهو العلو في الصفة، لأن العلو في الصفة هو الذي يُعتمد عليه في صحة الحديث، لأن العدد قد يكون مثلاً ثلاثة رواة وكلهم ثقات، فيكون الحديث صحيحاً، وقد يكون العدد عشرين راوياً، لكن كلهم ضعفاء، فلا يكون الحديث صحيحاً‏.‏

إذاً فالعلو ينقسم إلى قسمين‏:‏

علو العدد وهو‏:‏ ما كان فيه عدد الرجال أقل‏.‏

علو الصفة وهو‏:‏ ما كان حال الرجال فيه أقوى وأعلى من جهة الحفظ والعدالة‏.‏

والمؤلف رحمه الله لم يتكلم عن علو الصفة وإنما تكلم عن علو العدد‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

وما أضَفتهُ إلى الأصحابِ مِنْ ** قولٍ وفعلٍ فهو موقوفٌ زُكِنْ

هذا هو القسم الخامس عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو الموقوف‏.‏

قوله ‏(‏ما‏)‏ شرطية‏.‏

‏(‏أضفته إلى الأصحاب‏)‏ أي ما أضفته أيها الراوي إلى الأصحاب‏.‏

والأصحاب جمع صحبٍ، وصَحْبٌ اسم جمع صاحب‏.‏

والمراد بالأصحاب هنا‏:‏ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم‏.‏

والصحابي هو‏:‏ من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلّم مؤمناً به، ومات على ذلك‏.‏

حتى ولو كان الاجتماع لحظة، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم أن يكون صاحبه من اجتمع به ولو لحظة‏.‏

أما غيره فلا يكون الصاحب صاحباً إلا بطول صحبة، أما مجرد أن يلاقيه في أي مكان، فلا يكون بذلك صاحباً له‏.‏

ولابد في الصحابي أن يموت مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلّم حتى ولو ارتد عن الإسلام ثم رجع إليه مرة أخرى، فهو صحابي على الصحيح من أقوال أهل العلم‏.‏

إذاً فما أضفته إلى الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - فإنه يسمى عند المحدثين موقوفاً‏.‏

وقوله ‏(‏زُكِنْ‏)‏ يعني عُلِم‏.‏

وقوله ‏(‏من قول وفعل‏)‏‏.‏

يُستثنى من ذلك ما ثبت له حكم الرفع، من قول الصحابي أو فعله، فإنه يكون مرفوعاً حُكماً، ولو كان من فعل الصحابي، كصلاة علي رضي الله عنه في الكسوف ثلاث ركوعات في كل ركعة، فهذا مرفوعٌ حُكماً، لأن عدد الركوعات في ركعة واحدة، أمرٌ يتوقف فيه على الشرع، ولا مجال للاجتهاد فيه، وكذلك لو تحدث الصحابي عن أمر من أمور المستقبل، أو أمور الغيب، فإنه يُحكم له بالرفع، لأن أمور الغيب ليس للرأي فيها مجال‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

ومُرْسَلٌ منْهُ الصحَابُّي سَقَطْ ** ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذا هو القسم السادس عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المرسل‏.‏

والمرسل في اللغة‏:‏ المطلق، ومنه أرسل الناقة في المرعى، أي أطلقها‏.‏

وفي الاصطلاح عرفه الناظم بأنه‏:‏ ما سقط منه الصحابي‏.‏

وعرفه بعض العلماء بأنه‏:‏ ما رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا التعريف أدق؛ لأن ظاهر كلام المؤلف أنه إذا ذكر الصحابي فليس بمرسل، ولو كان الصحابي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كمحمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما - الذي ولد في حجة الوداع وهذا ليس بجيد، فإن حديث الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم من قبيل المرسل عند المحققين‏.‏

والمرسل من أقسام الضعيف؛ لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين من رفعه مجهول إلا في المواضع التالية‏:‏

الأول‏:‏ إذا علم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم ومن رفعه، فيحكم بما تقتضيه حاله‏.‏

الثاني‏:‏ إذا كان الرافع له صحابيًّا‏.‏

الثالث‏:‏ إذا علم أن رافعه لا يرفعه إلا عن طريق صحابي‏.‏

الرابع‏:‏ إذا تلقته الأمة بالقبول‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ** وقُلْ غَريبٌ ما رَوى راوٍ فَقَطْ

هذا هو القسم السابع عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهوالغريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقُل غريبٌ ما روى راوٍ فقط‏)‏ الغريب مشتق من الغربة، والغريب في البلد هو الذي ليس من أهلها‏.‏

والغريب في الحديث هو‏:‏ ما رواه راوٍ واحد فقط، حتى ولو كان الصحابي، فهو غريب، مثل أن لا نجد راو من الصحابة إلا ابن عباس - رضي الله عنهما - فهو غريب، أو لم نجد راوياً من التابعين إلا قتادة فهو غريب‏.‏

والغرابة إما أن تكون في‏:‏ أول السند‏.‏

أو في اثنائه‏.‏

أو في آخره‏.‏

يعني قد يكون الحديث غريباً في آخر السند لم يروه إلا تابعي واحد عن الصحابة، ثم يرويه عنه عدد كبير، فيكون هذا غريباً في آخر السند، وفيما بعده قد يصل إلى حد التواتر، فحديث «إنما الأعمال بالنيات‏.‏‏.‏‏.‏» من الغريب، لكنه غريب في طبقة الصحابة والتابعين، وأما بعد ذلك فقد انتشر انتشاراً عظيماً‏.‏

وقد يكون غريباً في أثنائه، رواه جماعة وانفرد به عنهم واحد، ثم رواه عن جماعة، وقد يكون غريباً في أوله انفرد به واحد عن جماعة‏.‏

والغريب قد يكون صحيحاً، وقد يكون ضعيفاً، لكن الغالب على الغرائب أنها تكون ضعيفة‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

وكُلُّ ما لْم يتصلْ بحال ** إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوصَالِ

هذا هو القسم الثامن عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المنقطع‏.‏

قوله ‏(‏وكل ما‏)‏‏.‏

أي كل حديث أو كل إسناد، لكن الظاهر أن مراده كل حديث بدليل قوله ‏(‏لم يتصل إسناده‏)‏ أي أن كل حديث لم يتصل إسناده بأي حال من الأحوال فإنه يسمى منقطعاً، وهذا بالمعنى العام، فإذا كان الحديث قد رواه خمسة، الأول، عن الثاني، عن الثالث، عن الرابع، عن الخامس‏.‏

ثم وجدناه مروياً عن الأول، عن الثالث، عن الرابع، عن الخامس فهو منقطع‏.‏

ولو وجدناه مروياً عن الثاني، عن الثالث، عن الرابع، عن الخامس فهو منقطع لأنه سقط أوله‏.‏

ولو رواه الأول، عن الثالث، عن الخامس فهو أيضاً منقطع‏.‏

ويقسم العلماء الانقطاع إلى أربعة أقسام‏:‏

أن يكون الانقطاع من أول السند‏.‏

أن يكون الانقطاع من آخر السند‏.‏

أن يكون الانقطاعُ من أثناء السند بواحد فقط‏.‏

أن يكون الانقطاعُ من أثناء السند بإثنين فأكثر على التوالي‏.‏

فأما القسم الأول وهو‏:‏ إذا كان الانقطاع من أول السند فإنه يسمى معلقاً‏.‏

ووجه التسمية فيه‏:‏ ظاهرة؛ لأنك إذا علقت شيئاً في السقف، وهو منقطع من أسفله فلن يصل إلى الأرض، فالمعلق ما حُذف منه أول إسناده‏.‏

وهل المعلق من قسم الصحيح أو هو من قسم الضعيف‏؟‏

نقول‏:‏ هو من قسم الضعيف؛ لأن من شرط الصحيح، اتصال السند، لكن ما علقه البخاري جازماً به فهو صحيح عنده، وإن لم يكن على شرطه، وإنما قلنا صحيح عنده؛ لأنه يعلّقه مستدلاً به على الحكم، ولا يمكن أن يستدل على حُكم من أحكام الله تعالى، إلا بشيء صحيح عنده، لكنه ليس على شرطه، لأنه لو كان على شرطه، لساقه بسنده حتى يُعرف، مع أنه - رحمه الله تعالى - ربما يأتي به معلقاً في باب، ومتصلاً في باب آخر‏.‏

وأما القسم الثاني وهو‏:‏ أن يكون الانقطاع من آخر السند فهذا هو المرسل‏.‏

وأما القسم الثالث وهو‏:‏ أن يكون الانقطاع من أثناء السند برجل واحد فهذا يسمى منقطعاً في الاصطلاح، فالمنقطع عندهم هو ما حُذف من أثناء سنده راوٍ واحد فقط‏.‏

وأما القسم الرابع وهو‏:‏ أن يكون الانقطاعُ من أثناء السند برجلين فأكثر على التوالي فهذا يسمى معضلاً‏.‏

ولهذا قال المؤلف رحمه الله‏:‏

والُمعْضَلُ الساقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ** ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

هذا هو القسم التاسع عشر من أقسام الحديث المذكورة في هذا وهو المعضل‏.‏

وقوله ‏(‏المعضل‏)‏ مبتدأ، و‏(‏الساقط‏)‏ خبره‏.‏ وقوله ‏(‏الساقطُ منه اثنان‏)‏ يعني على التوالي، لا على التفريق‏.‏

فمثلاً‏:‏ إذا كان السند هم الأول، والثاني، والثالث، والرابع وسقط الثاني والثالث فهذا يسمى معضلاً، لأنه سقط راويان على التوالي، وكذلك لو سقط ثلاثة فأكثر على التوالي‏.‏

وإذا سقط منه الثاني والرابع فهذا منقطع، لأنه وإن سقط منه راويان ولكنهما ليسا على التوالي‏.‏

وإذا سقط منه الأول والأخير، فهذا معلقٌ مرسل، أي أنه معلقٌ باعتبار أول السند، ومرسلٌ باعتبار آخر السند‏.‏

وكل هذه الأقسام تعتبر من أقسام الضعيف‏.‏

وإذا وجدنا حديثين أحدهما معضل، والاخر منقطع، أو معلق، أو مرسل، فإن المعضل أشدُّ ضعفاً، لأنه سقط منه راويان على التوالي‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ** وما أتى مُدلّساً نوعان

وقوله ‏(‏وما أتى مدلساً نوعان‏)‏ هذا هو القسم العشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم‏.‏

فـ‏(‏مدلساً‏)‏ حال من فاعل أتى، و‏(‏نوعان‏)‏ خبر المبتدأ، و‏(‏ما‏)‏ اسم موصول بمعنى الذي، يعني والذي أتى مدلساً نوعان‏.‏

وقوله ‏(‏مدلساً‏)‏ المدلس مأخوذ من التدليس، وأصله من الدُّلسة وهي الظلمة، والتدليس في البيع هو أن يُظهر المبيع بصفةٍ أحسن مما هو عليه في الواقع، مثل أن يصري اللبن في ضرع البهيمة، أو أن يصبغ الجدار بأصباغ يظنُّ الرائي أنّه جديد، وهو ليس كذلك‏.‏

أما التدليس في الحديث فينقسم إلى قسمين‏:‏ كما قال المؤلف - رحمه الله - ‏(‏وما أتى مدلساً نوعان‏)‏، وبعض العلماء يقسِّمه إلى ثلاثة أقسام‏.‏

أما على تقسيم المؤلف فهو قسمان‏:‏

الأول‏:‏ ذكره بقوله‏:‏

الأول الإسقاط للشيخ وأن ينقلُ عمن فوقه بعن وأن

وهذا تدليس التسوية، بان يسقط الراوي شيخه، ويروي عمن فوقه بصيغة ظاهرها الاتصال‏.‏

كما لو قال‏:‏ خالدٌ‏:‏ إنّ عليًّا قال كذا وكذا، وبين خالد وعلي رجل اسمه محمد، وهو قد أسقط محمداً ولم يذكره، وقال إن عليًّا قال كذا وكذا‏.‏

فنقول هذا تدليس وهو في الحقيقة لم يكذب بل هو صادق، لكن هناك بعض الأسباب تحمل الراوي على التدليس‏:‏ كأن يريد الراوي أن يخفي نفسه لئلا يُقال عنه أنه أخذ عن هذا الشيخ مثلاً، أو أخفى ذلك لغرض سياسي، أو لأنه يخشى على نفسه من سلطان أو نحوه، أو لغير ذلك من الأسباب الأخرى، أو لأجل أن الشيخ الذي أسقطه غير مقبول الرواية، إما لكونه ضعيف الحفظ، أو لكونه قليل الدين، أو لأن شيخه الذي روى عنه أقل مرتبة منه، أو ما أشبه ذلك‏.‏

المهم أن أغراض إسقاط الشيخ كثيرة غير محصورة، لكن أسوأها أن يكون الشيخ غير عدل، فيسقطه من أجل أن يصبح الحديث مقبولاً، لأن هذا يترتب عليه أحكام شرعية كثيرة، وربما يكون الحديث مكذوباً من قبل الشيخ الساقط‏.‏

ولا يقبل حديث المدلس، ولو كان الراوي ثقة، إلا إذا صرح بالتحديث وقال‏:‏ حدثني فلان، أو سمعت فلاناً، فحينئذ يكون متصلاً‏.‏

القسم الثاني‏:‏ تدليس الشيوخ‏:‏ وهو ألا يُسقط الشيخ ولكن يصفه بأوصاف لا يعرف بها، وإليه الإشارة بقوله‏:‏

والثاني لا يسقطه لكن يصفأوصافه بما به لا ينعرف مثل أن يسمي أحد شيوخه باسم غير اسمه، أو بلقبٍ غير لقبه، وهو لا يمكن أن يُعرف إلا بذلك الذي لم يسمه به، أو يصفُهُ بصفةٍ عامة كمن يقول‏:‏ حدثني من أنفه بين عينيه، أو حدثني من جلس للتحديث‏.‏

والأمر الذي دفع الراوي أن يفعل ذلك هو مثل الأغراض التي تقدمت في النوع الأول، لأنه يخفي اسم الشيخ حتى لا يوسم الحديث بالضعف، أو لأجل أن لا يرد الحديث، أو لأسباب أخرى‏.‏

وهذا النوع كسابقه غير مقبول إلا إذا وصف من دلسه بما يعرف به فينظر في حاله‏.‏

وهل التدليس جائز أم حرام‏؟‏

نقول‏:‏ الأصل فيه أنه حرام، لأنه من الغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «من غش فليس منا» ولا سيما الغش في الشيء الذي ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، فهذا أعظم من الغش في البيع، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلّم قال لصاحب الطعام الذي أخفى ما أصابته السماء‏:‏ «من غش فليس منا» فما بالك بمن يغش في سند الحديث، هذا يكون أعظم وأشد، ولكن ومع ذلك فقد كان يستعمله بعض التابعين، وغير التابعين، لأغراض حسنة، ولا يريدون بذلك الإساءة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلّم، ولا إلى الناس، وإنما يريدون بذلك بعض الأغراض الحسنة، ولكن هذا في الحقيقة لا يبرر لهم ما صنعوا، بل نقول‏:‏ هم مجتهدون؛ لهم أجرهم على اجتهادهم، ولكن لو أصابوا وبينوا الأمر، لكان أولى وأحسن وأفضل‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

ومَا يَخالفْ ثقَةٌ فيه الَملا ** فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قسْمَان تَلا

وهذان هما الحادي والعشرون والثاني والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذه المنظومة وهما‏:‏ الشاذ، والمقلوب‏.‏

فالشاذ مأخوذ من الشذوذ، وهو الخروج عن القاعدة أو الخروج عن ما عليه الناس، وفي الحديث‏:‏ «عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار» يعني من خرج عنهم، فالشاذُّ هو الذي يخالف فيه الثقة الملأ ‏(‏أي الجماعة‏)‏، ومعلوم أن الجماعة أقرب إلى الصواب من الواحد وأرجح، ولهذا يمكن أن نقول‏:‏ إن المؤلف رحمه الله قال‏:‏ ‏(‏ما يخالف ثقة فيه الملأ‏)‏ على سبيل المثال، وأن المراد بالقاعدة أن الشاذ هو‏:‏ ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه عدداً، أو عدالة، أو ضبطاً‏.‏

والمؤلف ذكر القسم الأول وهو‏:‏ العدد لأن الملأ جماعة، وقد يقال‏:‏ إن الملأ هم أشراف القوم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 88‏]‏‏.‏ ومعلوم أن الأشراف في علم الحديث هم الحفاظ العدول، فيكون كلامه شاملاً من هو أرجح عدداً، أو عدالة، أو حفظاً‏.‏

مثال العدد‏:‏ روى جماعة عن شيخهم حديثاً، ثم انفرد أحدهم برواية تخالف الجماعة وهو ثقة‏.‏

فنقول‏:‏ إن هذه الرواية شاذة، لأنه خالف من هو أرجح منه، باعتبار العدد‏.‏

ومثال الأرجح عدالة أو حفظاً معلوم‏.‏

نقول‏:‏ الأول هو الراجح، والثاني هو الشاذ وهو حديث المرجوح‏.‏

ونُسمِّي الحديث الذي يقابل الشاذ بالمحفوظ‏.‏

ومثاله‏:‏ حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلّم أنه توضأ، فأخذ لرأسه ماءً غير فضل يديه، أي لما أراد أن يمسح رأسه، أخذ ماءً فمسحه بماء غير فضل يديه، هكذا جاء في صحيح مسلم، وفي رواية ابن ماجة ‏(‏أنه مسح أذنيه بماء غير فضل رأسه‏)‏ فاختلفت الروايتان، فرواية مسلم أنه أخذ ماء جديداً لمسح الرأس غير ماء اليدين‏.‏

والثانية‏:‏ أنه أخذ ماء جديداً لمسح الأذنين، غير ما مسح الرأس، قال ابن حجر في بلوغ المرام عن الأول إنه المحفوظ، يعني أن رواية مسلم هي المحفوظة، ورواية ابن ماجه تكون شاذة‏.‏

ولا يحكم بالمخالفة بمجرد ما ينقدح في ذهنه أنه مخالف، بل يجب أن يتأمل ويفكر وينظر ويحاول الجمع، لأنك إذا حكمت بالمخالفة، ثم قلت عن الثاني إنه شاذ فمعناه أنه غير مقبول، لأن من شرط الصحيح المقبول ألا يكون معللاً ولا شاذًّا، فإذا كان شاذًّا فإننا سنرده، فلا يجوز أن نرد الحديث المخالف بمجرد ما ينقدح في الذهن، فلابد من التأمل فإنه ربما يبدو مخالفاً، ولكن عند التأمل لا يكون مخالفاً فمثلاً‏:‏ حديث «اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته»، «إنك لا تخلف الميعاد» بعض الناس قال إن زيادة ‏(‏إنك لا تخلف الميعاد‏)‏ شاذة، لأن أكثر الرواة رووه بدون هذه الزيادة، فتكون رواية من انفرد بها شاذة، لأنها مخالفة للثقات، وإن كان الراوي ثقة‏.‏

لكنه يمكن أن نقول‏:‏ لا مخالفة هنا، لأن هذه الزيادة لا تنافي ما سبق، بحيث أنها لا تكذبه ولا تخصصه، وإنما تطبعه بطابع هو من دعاء المؤمنين كما قال الله عنهم ‏{‏رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 194‏]‏‏.‏ وهنا تقول‏:‏ وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، نظير قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَـمَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ‏}‏ فحينئذ يحتاج إلى أن نتثبت في مسألة الزيادة هل هي مخالفة أو غير مخالفة، أي أننا لا نتسرع بالقول بالمخالفة‏.‏ لأن المخالفة تعني أنه لا يمكن الجمع، أما إذا أمكن الجمع فلا مخالفة‏.‏

وهل يشترط في الشذوذ أن يكون في حديث واحد بمعنى أن يكون هذا الحديث رواه جماعة على وجه، ورواه فرد على وجهٍ يخالف الجماعة أو لا يشترط‏.‏

نقول‏:‏ لا يشترط، يمكن أن يكون في حديث، وفي حديثين، هذا هو الذي يظهر لنا من تصرفات العلماء‏.‏

مثال ذلك‏:‏ ما أخرج أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» وهذا الحديث صححه بعض العلماء، وقال‏:‏ إنه يُكره الصيام تطوعاً إذا انتصف شعبان، إلا من كانت له عادةٌ فلا كراهة، وقال الإمام أحمد‏:‏ لا يكره؛ لأن هذا الحديث شاذ، لأنه يخالف حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الصحيحين وهو قوله صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وذلك لأن الحديث الثاني يدل على جواز الصيام قبل اليومين وهو أرجح من الأول‏.‏

إذاً نفهم من هذا أن الشذوذ ليس شرطاً أن يكون في حديث واحد‏.‏

مثال آخر‏:‏ ما أخرجه أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال‏:‏ «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» فهذا الحديث يخالف الحديث الذي في الصحيحين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلّم قالت له إحدى نسائه إنها صائمة هذا اليوم وكان يوم الجمعة، فقال لها‏:‏ «أصمت أمس»‏؟‏ قالت‏:‏ لا، قال‏:‏ «أتصومين غداً»، قالت‏:‏ لا، قال‏:‏ «فأفطري» فقوله‏:‏ «أتصومين غداً» وهو يوم السبت، يدل على جواز صيام يوم السبت، لذلك اختلف العلماء في صحة حديث النهي عن صيام يوم السبت على أقوال‏:‏

1 - فمنهم من قال‏:‏ إن الحديث منسوخ، وهذا القول ضعيف، لأن من شرط الحكم بالنسخ العلم بالتاريخ، وهنا لا نعلم التاريخ‏.‏

2 - ومنهم من قال‏:‏ بل الحديث شاذ؛ لأنه يخالف الحديث الذي في الصحيحين الذي يدل على جواز صيام يوم السبت‏.‏

3 - ومنهم من حمله على وجه لا يخالف الحديث الذي في الصحيحين، وذلك بأن يُحمل النهي على إفراد يوم السبت بالصيام، وأما إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا بأس، وهذا الأخير جمع بين الحديثين، وإذا أمكن الجمع فلا شذوذ، لأن من شرط الشذوذ المخالفة وهنا لا مخالفة، فقالوا‏:‏ حديث النهي عن صوم يوم السبت، محمولٌ على الإفراد، أما إذا جمع إليه ما قبله أو ما بعده فلا بأس حينئذ‏.‏

مثال ثالث‏:‏ وردت أحاديث متعددة - لكن ليست في البخاري ومسلم - في النهي عن لبس الذهب المحلَّق مثل الخاتم والسوار ونحوه، ووردت أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما تدل على جواز لبس الذهب المحلق، مثل ما في حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر النساء أن يتصدقن، فجعلن يلقين خواتيمهن، وخروصهن في ثوب بلال - رضي الله عنه - ثم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما رأى الرجل الذي عليه خاتم الذهب أخذه ورمى به، وقال‏:‏ «يعمدُ أحدكم إلى جمرة من النار فيلقيها في يده»‏.‏

فمن العلماء من قال‏:‏ إن النهي عن الذهب المحلق حجة يُعمل بها‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إن النهي عن لبس الذهب المحلق شاذٌّ لا يعمل به، لأنه يخالف ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من جواز لبس الذهب المحلّق، وهذا هو الذي سلكه شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إن الأحاديث الواردة في النهي في أول الأمر حين كان الناس في ضيق وفي شدة ثم بعد ذلك رُخِّص فيه‏.‏

وإنما ضربت هذه الأمثلة الثلاثة للإشارة إلى أن الشذوذ لا يشترط أن يكون في حديث واحد، بل قد يكون في واحد، أو في اثنين، أو أكثر‏.‏

إذاً عرفنا ما هو الشاذ، وما هو الذي يقابله، وهناك مخالفة أخرى لم يذكرها المؤلف وهي‏:‏ إذا كان المخالف غير ثقة فإن حديثه يسمى منكراً‏.‏

والمنكر هو‏:‏ ما خالف فيه الضعيف الثقة، وهو أسوأ من الشاذ، لأن المنكر المخالفة مع الضعف، والشاذ المخالفة فيه مع الثقة‏.‏

ويقابل المنكر المعروف، إذاً فهي أربعة أقسام‏:‏

1 - المحفوظ‏.‏

2 - الشاذ‏.‏

3 - المنكر‏.‏

4 - المعروف‏.‏

فالشاذ هو‏:‏ ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه‏.‏

والمنكر هو‏:‏ ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة‏.‏

والمحفوظ هو‏:‏ ما رواه الأرجح مخالفاً لثقة دونه، وهو مقابل للشاذ‏.‏

والمعروف هو‏:‏ ما رواه الثقة مخالفاً للضعيف‏.‏

وقوله ‏(‏والمقلوبُ قسمان تلا‏)‏ هذا تكملة للبيت يعني تلا في الذكر الشاذُّ، لكن هي ليس لها معنى، وإنما هي تكملة للبيت فقط، والمقلوب ينقسم إلى قسمين ذكرها في البيت الذي بعده‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

إبْدالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قسْمُ ** وقَلْبُ إسنَادٍ لمتنٍ قِسْمُ

قوله ‏(‏إبدال راوٍ ما براوٍ‏)‏‏.‏

فـ‏(‏ما‏)‏ هنا نكرة واصفة‏.‏

ومعنى نكرة واصفة أي أنك تقدر ما بـ‏(‏أي‏)‏ والتقدير إبدال راوٍ أي راوٍ، و‏(‏ما‏)‏ تأتي نكرة واصفة، وتأتي نكرة موصوفة كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ‏}‏ ومثال النكرة الواصفة قول المؤلف ‏(‏إبدال راوٍ ما‏)‏‏.‏

والمقلوب ينقسم إلى قسمين‏:‏

القسم الأول‏:‏ وهو ما ذكره المؤلف بقوله ‏(‏إبدال راوٍ ما براوٍ قسمُ‏)‏ وهو ما يُسمَّى بقلب الإسناد‏.‏

مثلاً‏:‏ إذا قال‏:‏ حدثني يوسف عن يعقوب، فيقلبُ الإسناد ويقول‏:‏ حدثني يعقوب عن يوسف، وهذا أكثر ما يقعُ خطأ، إما لنسيان أو غيره، لأنه لا توجد فائدة في تعمد ذلك‏.‏

فإذا قال قائل ما الذي أعلمنا أن الإسناد مقلوب فقد يكون على الوضع الصحيح‏؟‏

فنقول‏:‏ نعلم أنه مقلوب، إذا جاء من طريق آخر أوثق على خلاف ما هو عليه، أو جاء من نفس الراوي الذي قَلَبَهُ في حال شبابه وحفظه، يكون قد ضبطه وحدَّث به على الوضع الصحيح، وفي حال كِبَره ونسيانه، يحدِّثُ بالحديث ويقلب إسناده، ففي هذه الحالة نعرف أن الأول هو الصحيح، والثاني هو المقلوب‏.‏

مثاله‏:‏ إذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد الصحيح رجلان، أحدهما أوثق من الاخر، فيأتي الذي ليس بأوثق من صاحبه ويقلب الإسناد، بأن يجعل التلميذ شيخاً والشيخ تلميذاً، فإننا نحكم في هذا الحديث بأنه مقلوب عليه لأنه قلب السند‏.‏

ومثال آخر‏:‏ هذا الحديث حدَّث به هذا الرجل في حال شبابه وحفظه على وجه، وحدَّث به بعد شيخوخته ونسيانه على وجهٍ آخر، فإننا نحكم على الثاني أنه مقلوب، وربما نطَّلع أيضاً على هذا من طريق آخر بحيث أننا نعرف أن الذي جعله تلميذاً هو الشيخ، لأنه تقدم في عصره بمعرفة التاريخ‏.‏

والمقلوب من قسم الضعيف، لأنه يدل على عدم ضبط الراوي‏.‏

القسم الثاني‏:‏ وهو ما ذكره المؤلف بقوله ‏(‏وقلب إسناد لمتن قسم‏)‏ ويعني أن يُقلب إسناد المتن لمتن آخر‏.‏

مثاله‏:‏ رجل روى حديثاً‏:‏ من طريق زيد، عن عمرو، عن خالد، وحديثاً آخر‏:‏ من طريق بكر، عن سعد، عن حاتم، فجعل الإسناد الثاني للحديث الأول، وجعل الإسناد الأول للحديث الثاني، فهذا يُسمَّى قلب إسناد المتن، والغالب أنه يقعُ عمداً للاختبار، أي لأجل أن يُختبر المحدِّث‏.‏

كما صنع أهل بغداد مع البخاري، وذلك لما علموا أنه قادم عليهم، اجتمعوا من العراق وما حوله وقالوا‏:‏ نريد أن نختبر هذا الرجل، فوضعوا له مائة حديث ووضعوا لكل حديث إسناداً غير إسناده، وقلبوا الأسانيد ليختبروا البخاري - رحمه الله - وقالوا‏:‏ كل واحد منكم عنده عشرة أحاديث يسأله عنها، ووضعوا عشرة رجال حفاظ أقوياء، فلما جاء البخاري - رحمه الله - واجتمع الناس، بدأوا يسوقون الأسانيد كلها حتى انتهوا منها، وكانوا كلما ساقوا إسناداً ومعه المتن قال البخاري‏:‏ لا أعرفه، حتى أتموها كلها، فالعامة من الناس قالوا‏:‏ هذا الرجل لا يعرف شيئاً، يُعرض عليه مائة حديث وهو يقول‏:‏ لا أعرفه، يعني لا أعرف هذا السند لهذا الحديث، ثم قام - رحمه الله - بعد ذلك وساق كل حديث بإسناده الصحيح، حتى انتهى من المائة كلها، فعرفوا أن الرجل آية من آيات الله في الحفظ، فأقرُّوا وأذعنوا له‏.‏

فهذا نسميه قلب إسناد المتن يعني أن تركب إسناد متن على متن آخر، والغالب أنه لا يقع إلا للاختبار، وقد يقع غشًّا، بحيث يريد الرجل أن يُروِّج الحديث لكنْ يكون إسناده ساقطاً يعني كلهم ضعفاء مثلاً، فيأتي بإسناد حديث صحيح ويُركبه عليه، فهو نوع من التدليس، لكنه بطريق آخر‏.‏

وهناك قسم آخر وهو قلب المتن‏:‏ وهذا الذي يعتني به الفقهاء، وأما قلب الإسناد فيعتني به المحدثون، لأنهم ينظرون إلى السند هل هو صحيح‏؟‏ وهل يصح به الحديث أم لا‏.‏

وأما الفقهاء فيعتنون بقلب المتن، لأنه هو الذي يتغيُّر به الحكم، حيث إن هؤلاء ينظرون إلى الدلالة‏.‏

وقلب المتن يحصل من بعض الرواة تنقلب عليهم المتون فيروون بعض الأحاديث على غير وجهها‏.‏

من ذلك مثلاً‏:‏ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله‏.‏‏.‏‏.‏» الحديث وفيه «ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» فقلبه بعض الرواة فقال‏:‏ ‏(‏حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله‏)‏ فهذا مقلوب، لأنه جعل اليمين شمالاً، والشمال يميناً‏.‏

ومن ذلك الحديث الذي ثبت في صحيح البخاري ‏(‏أنه يبقى في النار فضلٌ عمن دخلها، فينشىء الله لها أقواماً يدخلهم النار‏)‏ فهذا الحديث منقلبٌ على الراوي وصوابه «أنه يبقي في الجنة فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا فينشىء الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة» الحديث‏.‏

وذلك لأنه - أي إنشاء أقوام للنار - ينافي كمال عدل الله تعالى إذ كيف يمكن أن يُنشأ الله تعالى أقواماً للعذاب، ولأنه ينافي الحديث الصحيح «لا يزال يُلقى في النار وهي تقول هل من مزيد، حتى يضع الله تعالى عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول‏:‏ قط قط»‏.‏

ومثال آخر‏:‏ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه» انقلب هذا الحديث على الراوي فقال‏:‏ ‏(‏وليضع يديه قبل ركبتيه‏)‏ والصواب‏:‏ «وليضع ركبتيه قبل يديه» وإنما قلنا ذلك لأن هذا التفريع يخالف أول الحديث، فأول الحديث «فلا يبرك كما يبرك البعير» فالنهي عن التشبه بالبعير في صفة السجود «فلا يبرك كما يبرك» ونحن إذا شاهدنا البعير نراه إذا برك، فإنه يقدم يديه قبل ركبتيه، حيث إنه أول ما يبرك ينزل مقدمه قبل مؤخره، وأنت إذا قدمت يديك نزل مقدمك قبل مؤخرك، فأشبهت بروك البعير‏.‏

فإذا قيل‏:‏ ‏(‏وليضع يديه قبل ركبتيه‏)‏ صار لا يناسب أول الحديث، والذي يناسبه ‏(‏وليضع ركبتيه قبل يديه‏)‏، وقد ظن بعض العلماء أن الحديث ليس فيه قلب، وقال‏:‏ إن ركبة البعير في يديه، ونحن نُسلِّم أن ركبة البعير في يديه‏.‏

ولكن الحديث لم يقل فيه الرسول صلى الله عليه وسلّم‏:‏ فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، فإنه لو قال كذلك لقلنا‏:‏ لا تبرك على الركبتين لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكن النبي صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «فلا يبرك كما» والكاف هنا للتشبيه، وبين العبارتين فرق‏.‏

فإذا عرفنا أن مدلول قوله «فلا يبرك كما يبرك البعير» أي لا يقدِّم يديه فينزل مقدمه قبل مؤخره، ولأن النزول في السجود بالركبتين، هو الوضع الطبيعي‏.‏

ففي الوضع الطبيعي أول ما ينزل إلى الأرض هو ما يلي الأرض وهو الركبة ثم اليد ثم الجبهة والأنف‏.‏

قال المؤلفُ رحمه الله‏:‏

والفَردُ ما قَيَّدْتَهُ بثقَة ** أوْ جْمعٍ أوْ قَصٍر عَلَى رِوَايَةٍ

هذا هو الثالث والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذه المنظومة، وهو الفرد، وذكر الناظم له ثلاثة أنواع‏.‏

1 - ما قُيد بثقة‏.‏

2 - ما قُيد بجمع‏.‏

3 - ما قُيد برواية‏.‏

فما هو الفرد‏؟‏

نقول‏:‏ الفرد هو أن ينفرد الراوي بالحديث، يعني أن يروي الحديث رجلٌ فرد‏.‏

والغالب على الأفراد الضعف، لكن بعضها صحيح متلقى بالقبول، لكن الغالب على الأفراد أنها ضعيفة، لاسيما فيما بعد القرون الثلاثة، لأنه بعد القرون الثلاثة، كثر الرواة فتجد الشيخ الواحد عنده ستمائة راوي‏.‏ فإذا انفرد عنه راوٍ واحد دون غيره فإن هذا يوجب الشك، فكيف يخفى هذا الحديث على هذا العدد الكثير، ولا يرويه إلا واحد فقط‏.‏

لكن في عهد الصحابة تكثر الفردية، وكذلك في عهد التابعين لكنها أقل من عهد الصحابة، لانتشار التابعين وكثرتهم، وفي عهد تابع التابعين تكثر الفردية لكنها أقل من عهد التابعين‏.‏

إذاً فالفردُ من قبيل الضعيف غالباً‏.‏

وأنواعه ثلاثة وهي‏:‏

1 - ما قُيِّدَ بثقة، أي ما انفرد به ثقة، ولم يروه غيره، لكنه لا يخالف غيره، مثل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى» فقد حصل الإفراد فيه، في ثلاث طبقات من رواته، ومع ذلك فهو صحيح، لأنه انفرد به الثقة عن الثقة عن الثقة، فهذا يُسمى فرداً، ويسمى غريباً‏.‏

2 - ما قُيدَ بجمعٍ، ومراده بالجمع أهل البلد، أو أهل القرية، أو القبيلة أو ما أشبه ذلك، فإذا انفرد بهذا الحديث عن أهل هذا البلد شخص واحد، بمعنى أن يقال‏:‏ تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الشاميين، أو تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الحجازيين، أو ما أشبه ذلك، فهنا فردٌ لكنه ليس فرداً مطلقاً، بل هو في بلد معين، وقد انفرد به من بين المحدثين من أهل هذا البلد‏.‏

فمثلاً إذا قدَّرنا أن المحدثين في الشام ألف محدث، فروى هذا الحديث منهم واحد، ولم يروه سواه‏.‏

فنقول‏:‏ هذا فرد لكن هل هو فرد مطلقاً‏؟‏

بل فرد نسبي، نسبي أي‏:‏ بالنسبة لأهل الشام‏.‏

وللفرد المقيد بالجمع معنى آخر وهو‏:‏ أن ينفرد به أهل بلد ما، بروايته عن فلان، فيقال‏:‏ تفرد به أهل الشام عن فلان‏.‏

3 - وقوله ‏(‏أو قصر على رواية‏)‏‏.‏

القصر على الرواية هي أن يقال مثلاً‏:‏ لم يروِ هذا الحديث بهذا المعنى إلا فلان، يعني أن هذا الحديث بهذا المعنى لم يروه إلا شخص واحد عن فلان، فتجد أن القصر في الرواية فقط، وإلا فالحديث من طرق أخرى مشهور، وطرقه كثيرة‏.‏

وإنما قسَّم المؤلف الفرد إلى هذا التقسيم‏:‏ ليبين أن الفرد قد يكون فرداً نسبيًّا، وقد يكون فرداً مطلقاً، فإذا كان هذا الحديث لم يُروَ إلا من طريق واحد بالنسبة لأهل الشام، أو أي بلد فهو فردٌ نسبي‏.‏

وكذلك بالنسبة للشيخ فلو قال‏:‏ تفرَّد به فلان عن هذا الشيخ فإنه يُسمى فرداً نسبيًّا، والفرد النسبي غرابته نسبية، والفرد المطلق غرابته مطلقة، والفرد النسبي أقرب إلى الصحة، لأنه قد يكون فرداً بالنسبة لهؤلاء، ولكنه بالنسبة إلى غيرهم مشهور أو عزيز، أي مروي بعدة طرق‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

ومَا بعلَة غُموضٍ أوْ خَفَا ** مُعَلِّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا

هذا هو القسم الرابع والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في النظم وهو المعلول أو المعلل‏.‏

يقال‏:‏ ‏(‏الحديث المعلل‏)‏، ويُقال‏:‏ ‏(‏الحديث الُمعَلّ‏)‏، ويقال الحديث المعلول، كل هذه الاصطلاحات لعلماء الحديث ولا شك أن أقربها للصواب من حيث اللغة هو ‏(‏الُمعَلُّ‏)‏، لأن وزن مُعَلّ الصرفي هو مُفْعَل، وذلك لأن اللام مشددة، فتكون عن حرفين أولهما ساكن، وإذا نظرنا إلى الاشتقاق وجدنا أن هذا هو الصواب، لأنه مأخوذ من أعلّهُ يُعلُّه فهو مُعَلّ مثل أقره يقره فهو مقرّ‏.‏

والذين قالوا إنه معلول أخذوه من علّة مثل شدَّهُ فهو مشدودٌ، فيسمونه معلولاً، لأنه مأخوذٌ من الفعل الثلاثي‏.‏

والذين يقولون ‏(‏مُعَلَّل‏)‏ أخذوه من علَّلَه، فهو معلل مثل قوّمه فهو مقوّم، والصواب‏:‏ كما سبق ‏(‏الُمعَلّ‏)‏‏.‏

فنقول‏:‏ المعلُّ هو الحديث الذي يكون ظاهره الصحة، ولكنه بعد البحث عنه يتبين أن فيه علة قادحة، لكنها خفية‏.‏

مثال ذلك‏:‏ أن يُروى الحديث على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم باتصال السند، ويكون هذا هو المعروف المتداول عند المحدثين، ثم يأتي أحدُ الحفاظ ويقول هذا الحديث فيه علة قادحة وهي أن الحفاظ رووه منقطعاً، فتكون فيه علة ضعف، وهي الانقطاع، بينما المعروف بين الناس أن الحديث متصلٌ‏.‏

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح النخبة‏:‏ وهذا القسم من أغمض أنواع الحديث، لأنه لا يطَّلع عليه إلا أهل العلم النقاد الذين يبحثون الأحاديث بأسانيدها ومتونها‏.‏

وابن حجر يقول دائماً في بلوغ المرام‏:‏ أُعلَّ بالإرسال، أو أُعلَّ بالوقف، وهكذا‏.‏

فإذا قال ذلك فارجع إلى السند وانظر فيه من رواه‏؟‏

ولهذا اشترطوا في الصحيح أن يكون سالماً من الشذوذ والعلة القادحة، والمعلُّ من أقسام علم المصطلح وهو مهمٌّ جداً لطالب علم الحديث حيث إن معرفته تفيده فائدة كبيرة؛ لأنه قد يقرأ حديثاً ظاهره الصحة، وهو غير صحيح‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

وذُو اخْتلافِ سَنَدٍ أو مَتْنٍ ** مُضطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الفَنِّ

وهذا هو الخامس والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المضطرب‏.‏

والاضطراب معناه في اللغة‏:‏ الاختلاف‏.‏

والمضطرب في الاصطلاح‏:‏ هو الذي اختلف الرواة في سنده، أو متنه، على وجه لا يمكن فيه الجمع ولا الترجيح‏.‏

فالاختلاف في السند مثل‏:‏ أن يرويه بعضهم متصلاً، وبعضهم يرويه منقطعاً‏.‏

والاختلاف في المتن مثل‏:‏ أن يرويه بعضهم على أنه مرفوع، وبعضهم على أنه موقوف، أو يرويه على وجه يخالف الاخر بدون ترجيح، ولا جمع‏.‏

فإن أمكن الجمع فلا اضطراب‏.‏

وإن أمكن الترجيح أخذنا بالراجح ولا اضطراب‏.‏

وإذا كان الاختلاف لا يعود لأصل المعنى فلا اضطراب أيضاً‏.‏

مثال الذي يمكن فيه الجمع‏:‏ حديث حج النبي صلى الله عليه وسلّم، فإن حج النبي صلى الله عليه وسلّم، اختلف فيه الرواة على وجوه متعددة‏.‏

فمنهم من قال‏:‏ إنه حجَّ قارناً‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنه حجَّ مفرداً‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنه حجَّ متمتعاً‏.‏

ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم عام حجة الوداع فمنا من أهلَّ بحج، ومنَّا من أهل بعمرة، ومنَّا من أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحج‏.‏

وفي حديث ابن عمر وغيره - رضي الله عنهم - أنه حجَّ متمتعاً، وفي بعض الأحاديث أنه حج قارناً‏.‏

فهذا الاختلاف إذا نظرنا إليه قلنا في بادىء الأمر‏:‏ إن الحديث مضطرب، وإذا حكمنا بالاضطراب، بقيت حجة النبي صلى الله عليه وسلّم مشكلة، فلا ندري هل حج مفرداً، أم متمتعاً، أم قارناً‏؟‏

وعند التأمل‏:‏ نرى أن الجمع ممكن يندفع به الاضطراب‏.‏

وللجمع بين هذه الروايات وجهان‏:‏

1 - الوجه الأول‏:‏ أن من روى أنه أهلَّ بالحج مفرداً، أراد إفراد الأعمال، يعني أنه لم يزد على عمل المفرد‏.‏

* وعمل المفرد هو‏:‏ أنه إذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى للحج، وإذا كان يوم العيد طاف طواف الإفاضة فقط ولم يسع، وإذا أراد أن يخرج طاف طواف الوداع وخرج‏.‏

* ومن روى أنه متمتع‏:‏ أراد أنه جمع بين العمرة والحج في سفر واحد، فتمتع بسقوط أحد السفرين‏.‏

* ومن روى أنه قرن بين الحج والعمرة فهذا هو الواقع‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان قارناً، والمتعة أحب إلّي‏.‏

2 - الوجه الثاني‏:‏ أنه أحرم أولاً بالحج ثم أدخل العمرة عليه، فصار مفرداً باعتبار أول إحرامه، وقارناً باعتبار ثاني الحال، ولكن هذا لا يصح على أصول مذهب الإمام أحمد، لأن من أصوله أنه لا يصح إدخال العمرة على الحج، وإنما الذي يصح هو العكس‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً الوجه الأول‏:‏ من روى أنه مفرد، فقد أراد أعمال الحج‏.‏

ومن قال إنه متمتع‏:‏ فقد أراد أنه أتى بعمرة وحج في سفر واحد، فتمتع بسقوط أحد السفرين عنه، لأنه لولا أنه أتى بالعمرة والحج، لكان قد أتى بعمرة في سفر، وبالحج في سفر آخر، فيكون تمتعه بكونه أسقط أحد السفرين، لأنه سافر سفراً واحداً، وقرن بين العمرة والحج فتمتع بذلك‏.‏

وأما من قال‏:‏ إنه كان قارناً فهذا هو الواقع، أي أنه كان قارناً، لأننا لا نشك أن الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يحل من العمرة، بل بقي على إحرامه لكونه قد ساق الهدي‏.‏ اهـ‏.‏

ثم نرجع إلى الحج فنقول‏:‏ الأنساك ثلاثة‏:‏

1 - الإفراد‏.‏

2 - التمتع‏.‏

3 - القِران‏.‏

فالإفراد هو‏:‏ أن يحرم الإنسان بالحج وحده من الميقات، ويقول‏:‏ لبيك اللهم حجًّا، ثم إذا وصل إلى مكة فإنه يطوف طواف القدوم، ويسعى للحج، ويبقى على إحرامه إلى أن يتم الحج، وفي يوم العيد يطوف طواف الإفاضة، وعند السفر يطوف طواف الوداع‏.‏

والقران هو‏:‏ أن يحرم بالعمرة والحج معاً من الميقات، ويقول‏:‏ لبيك اللهم عمرة وحجًّا، فإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم وسعى للعمرة والحج، ثم يبقى على إحرامه، ويوم العيد يطوف طواف الإفاضة، وعند السفر يطوف طواف الوداع‏.‏ ففعله كفعل المفرد لكن تختلف النية‏.‏

أما التمتع فهو أن يحرم من الميقات بالعمرة، ثم إذا وصل إلى مكة، يطوف ويسعى ويقصِّر، لأنها عمرة، ثم يحل من إحرامه ويلبس ثيابه ويتحلَّل تحللاً كاملاً، ثم في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يحرم بالحج، وفي يوم العيد يطوف طواف الإفاضة ويسعى للحج، وعند السفر يطوف للوداع‏.‏

* وإذا لم يمكن الجمع بين الروايات، عملنا بالترجيح فنأخذ بالراجح، ويندفع الاضطراب‏.‏

مثاله‏:‏ حديث بريرة - رضي الله عنها - حين أعتقتها عائشة رضي الله عنها، ثم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن تبقى مع زوجها، أو أن تفسخ نكاحها منه‏.‏

ففي بعض روايات الحديث أن زوجها - وهو مغيث - كان حرًّا‏.‏

وفي بعض الروايات أنه كان عبداً‏.‏

إذاً في الحديث اختلاف والحديث واحد، والجمع غير ممكن فنعمل بالترجيح‏.‏

والراجح‏:‏ أنه كان عبداً، فإذا كان هو الراجح، إذاً نلغي المرجوح، ونأخذ بالراجح، ويكون الراجح هذا سالماً من الاضطراب، لأنه راجح‏.‏

* وإذا لم يكن الاختلاف في أصل المعنى، فلا اضطراب، بأن يكون أمراً جانبيًّا‏.‏

مثل‏:‏ اختلاف الرواة في ثمن جمل جابر - رضي الله عنه - واختلاف الرواة في حديث فضالة بن عبيد في ثمن القلادة التي فيها ذهب وخرز، هل اشتراها بإثني عشر ديناراً، أو بأكثر من ذلك أو بأقل‏.‏

فنقول‏:‏ هذا الاختلاف لا يضر، لأنه لا يعود إلى أصل المعنى، وهو بيع الذهب بالذهب، لأنهم كلهم متفقون على أنها قلادة فيها ذهب وخرز، وكانت قد بيعت بدنانير، ولكن كم عدد هذه الدنانير‏؟‏

قد اختلف فيها الرواة، ولكن هذا الاختلاف لا يضر‏.‏

وكذلك حديث جابر - رضي الله عنه - فقد اتفق الرواة على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم اشتراه، وأن جابراً اشترط أن يركبه إلى الميدنة، ولكن اختلفوا في مقدار الثمن، فنقول‏:‏ إن هذا الاختلاف لا يضر، لأنه لا يعود إلى أصل المعنى الذي سيق من أجله الحديث‏.‏

وحكم الحديث المضطرب هو‏:‏ الضعف، لأن اضطراب الرواة فيه على هذا الوجه يدل على أنهم لم يضبطوه، ومعلوم أن الحديث إذا لم يكن مضبوطاً، فهو من قسم الضعيف‏.‏

وقوله ‏(‏مضطربٌ عند أُهيل الفن‏)‏‏.‏

قد يقول قائل‏:‏ لماذا صغر كلمة ‏(‏أهل‏)‏ وهل ينبغي أن يصغر أهل العلم‏؟‏

فنقول‏:‏ إن المؤلف اضطرَّه النظم إلى التصغير، ولهذا يُعتبر التصغير من تمام البيت فقط، وإلا كان عليه أن يقول‏:‏ عند أهل الفن‏.‏

فإذا قال قائل‏:‏ الفنُّ عندنا غير محمودٍ عُرفاً‏؟‏

فنقول‏:‏ إن المراد بالفن عند العلماء، هو الصنف‏.‏

قال الشاعر‏:‏

تمنيتَ أن تمسي فقيهاً مناظراً ** بغير عناء والجنون فنون

يعني أن الذي يتمنى أن يُمسي فقيهاً مناظراً بغير تعب فإنه مجنون، والجنون أصناف من جملتها أن يقول القائل‏:‏ أريد أن أكون فقيهاً مناظراً، وأنا نائم على الفراش‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

والُمدْرَجَاتُ في الحديثِ ما أتَتْ ** مِن بعضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتّصلَتْ

هذا هو السادس والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المدرج‏.‏

والحديث المدرج هو‏:‏ ما أدخله أحد الرواة في الحديث بدون بيان، ولهذا سُمي مدرجاً، لأنه أُدرج في الحديث دون أن يبين الحديث من هذا المدرج، فالمدرج إذاً ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكنه من كلام الرواة، ويأتي به الراوي أحياناً، إما تفسيراً لكلمة في الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب‏.‏

ويكون الإدراج أحياناً‏:‏

* في أول الحديث‏.‏

* وأحياناً يكون في وسطه‏.‏

* وأحياناً يكون في آخره‏.‏

مثاله في أول الحديث‏:‏ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ ‏(‏أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار‏)‏ فالمرفوع هو قوله‏:‏ «ويل للأعقاب من النار» وأما قوله ‏(‏أسبغوا الوضوء‏)‏ فهو من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي يقرأ الحديث يظن أن الكل، هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه لم يُبين ذلك‏.‏

ومثال الإدراج في وسط الحديث‏:‏ حديث الزهري عن عائشة - رضي الله عنها - في كيفية نزول الوحي - يعني أوّل ما أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم - فقالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلّم يتحنَّثُ في غار حراء الليالي ذوات العدد، والتحنُّث التعبد‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

والذي يسمع هذا الحديث يظن أن التفسير من عائشة - رضي الله عنها - في قولها ‏(‏والتحنث التعبد‏)‏ والواقع أن التفسير من الزهري - رحمه الله - وهو الان مدرج في الحديث بدون بيان منه أنه مدرج، وهذا الإدراج يُراد به التفسير، والتفسير هنا لابد منه؛ لأن الحنث في الأصل هو الإثم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 46‏]‏‏.‏ وإذا لم يُبين معنى التحنث لاشتبه بالإثم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتعبد، والتعبُّد مزيلٌ للحنث الذي هو الإثم، فهو من باب تسمية الشيء بضده‏.‏

مثال الإدراج في آخر الحديث‏:‏ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غرته وتحجيله فليفعل»، فهذا الحديث إذا قرأته فإنك تظن أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلّم، ولكن الواقع أن الجملة الأخير ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم وهو قوله‏:‏ ‏(‏فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل‏)‏ بل هي مدرجة من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي من كلامه صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا محجلين من أثر الوضوء»‏.‏

أما الجملة الأخيرة فقد أدرجها أبو هريرة - رضي الله عنه - تفقهاً منه في الحديث، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في النونية‏:‏

وأبو هريرة قال ذا من كيسه فغدا يميزه أولو العرفان

* ويعرف الإدراج بأمور‏:‏

1 - بالنص، حيث يأتي من طريق آخر ويُبين أنه مدرج‏.‏

2 باستحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم قد قاله، وذلك لظهور خطأ فيه، أو قرينة تدل على أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم‏.‏

3 - بنص من أحد الحفَّاظ الأئمة يبين فيه أن هذا مدرج‏.‏

* ما هو حكم الإدراج‏؟‏

نقول‏:‏ إن كان يتغير المعنى بالإدراج فإنه لا يجوز إلا ببيانه‏.‏

وإن كان لا يتغير به المعنى مثل‏:‏ حديث الزهري ‏(‏والتحنُّث التعبُّد‏)‏ فإنه لا بأس به، وذلك لأنه لا يعارض الحديث المرفوع، وإذا كان لا يعارضه فلا مانع من أن يُذكر على سبيل التفسير والإيضاح‏.‏

وإذا تبين الإدراج فإنه لا يكون حجة، لأنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يحتج به‏.‏

وقوله ‏(‏من بعض ألفاظ الرواة اتصلت‏)‏ فكلمة ‏(‏اتصلت‏)‏ جملة حالية من فاعل أتت، يعني ما أتت متصلة في الحديث بدون بيان‏.‏

وقال رحمه الله تعالى‏:‏

ومَا رَوَى كُلُّ قَرينٍ عَنْ أخِهْمُدَبَّجٌ فاعرِفهُ حقًّا وانتَخِهْ هذا هو القسم السابع والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المدبج‏.‏

وعرفه بقوله‏:‏ وما روى ‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏.‏

والقرين هو‏:‏ المصاحب لمن روى عنه، الموافِق له في السنن، أو في الأخذ عن الشيخ‏.‏

فإذا قيل‏:‏ فلان قرينٌ لفلان، أي مشاركٌ له، إما في السن، أو في الأخذ عن الشيخ الذي رويا عنه، مثل‏:‏ أن يكون حضورهما للشيخ متقارباً مثلاً في سنةٍ واحدة، وما أشبه ذلك‏.‏

فالأقران إذا روى أحدهم عن الاخر، فإن ذلك يسمى عند المحدثين رواية الأقران، ولهذا تجد في كتب الرجال أنهم يقولون‏:‏ وروايته عن فلان من رواية الأقران، أي أنه اشترك معه في السنّ، أو في الأخذ عن الشيخ، فإن روى كل منهما عن الاخر فهو ‏(‏مُدبَّج‏)‏‏.‏

فمثلاً‏:‏ أنا رويتُ عن قريني حديث ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ وهو روى عني حديث ‏(‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‏)‏ فهذا يكون مُدَبَّجاً، أو يروي عني نفس الحديث الذي رويته أنا، وأكون أنا قد رويته عنه من طريق، وهو رواه عني من طرق آخر، فهذا يسمى أيضاً مُدَبَّجاً‏.‏

* وما وجه كونه مُدَبَّجاً‏؟‏

قالوا‏:‏ إنه مأخوذ من ديباجة الوجه، أي جانب الوجه، لأن كل قرين يلتفت إلى صاحبه ليحدثه فيلتفت إليه صاحبه ليحدثه، فيكون قد قابله بديباجة وجهه، وبالطبع فإن هذا الاشتقاق اصطلاحي، وإلا لقلنا إن كل حديث بين اثنين يتجه فيه أحدهما إلى الاخر فإنه يسمى مدبَّجاً، لكن علماء المصطلح خصوه، ولا مشاحة في الاصطلاح‏.‏

* ورواية المدبج هو‏:‏ أن يروي كل قرين عن قرينه، إما حديثاً واحداً، أو أكثر من حديث‏.‏

* والفرق بينهما أن المدبَّج يُحدِّث كل منهما عن الاخر‏.‏

أما الأقران فأحدهما يحدث عن الاخر فقط بدون أن يحدث عنه صاحبه‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

مُتفقٌ لَفْظاً وخَطًّا مُتَّفِقْ ** وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا الُمفْتَرقْ

هذان هما القسم الثامن والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو‏:‏ المتفق والمفترق‏.‏

وهما في الحقيقة قسم واحد، خلافاً لما يظهر من كلام المؤلف - رحمه الله - حيث جعلهما قسمين وهذا القسم يتعلق بالرواة، وهو ما إذا وجدنا اسمين متفقين لفظاً وخطًّا، لكنهما مفترقان ذاتاً أي أن الاسم واحد والمسمى اثنان فأكثر‏.‏

وهذا العلم نحتاج إليه لئلا يقع الاشتباه، فمثلاً‏:‏ كلمة عباس اسم لرجل مقبول الرواية، وهو اسم لرجل آخر غير مقبول الرواية، فهذا يسمى المتفق والمفترق‏.‏

فإذا رأينا مثلاً أن الحافظ يقول‏:‏ حدثني عباس وهو أحد شيوخه، وهو ثقة، ثم يقول مرة أخرى حدثني عباس وهو أيضاً من شيوخه ولكنه ليس بثقة، ثم يأتي هذا الحديث ولا ندري أي العباسين هو، فيبقى الحديث عندنا مشكوكاً في صحته، ويسمَّى عند أهل الفن بالمتفق والمفترق‏.‏

* ووجه التسمية ظاهر‏:‏ وهو الاتفاق بحسب اللفظ والخط، والافتراق بحسب المسمى‏.‏

* والعلم بهذا أمر ضروري، لأنهما إذا اختلفا في التوثيق صار الحديث محل توقف، حتى يتبين من هذا، فإن كان كل منهما ثقة، وقد لاقى كل منهما المحدِّث فإنه لا يضر لأن الحديث سيبقى صحيحاً‏.‏

فالمتفق والمفترق يتعلق بالرواة لا بالمتون، وإذا كان يتعلق بالرواة فإنه يُنظر إذا كان هذا المتفق والمفترق كل منهما ثقة، فإنه لا يضر، وإذا كان أحدهما ثقة والاخر ضعيفاً فإنه حينئذ محل توقف، ولا يحكم بصحة الحديث، ولا ضعفه حتى يتبين الافتراق والاتفاق‏.‏

قال المؤلف رحمه الله‏:‏

مُؤتَلفٌ مُتَّفقُ الخطِ فَقَطْ ** وضِدُّهُ مختَلِفٌ فاخْشَ الغَلِطْ

هذا هو القسم التاسع والعشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المؤتلف والمختلف‏.‏

والمؤتلف والمختلف هو‏:‏ الذي اتفق خطًّا ولكنه اختلف لفظاً، مثل‏:‏ عباس وعياش، وخياط وحباط، وما أشبه ذلك‏.‏

يعني أن اللفظ في تركيب الكلمة واحد، لكن تختلف في النطق، فهذا يسمى مؤتلفاً مختلفاً‏.‏

* وسُمي مؤتلفاً لإتلافه خطًّا، وسُمي مختلفاً لاختلافه نطقاً، وهو أيضاً في نفس الوقت مفترق لاختلافه عيناً وذاتاً‏.‏

فالأشخاص متعددون في المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، ولكن الكلام على الأسماء إن كانت مختلفة فسمِّه مؤتلفاً مختلفاً، وإن كانت متفقة فسمِّه متفقاً مفترقاً، وهذا اصطلاح، واصطلاح المحدثين أمرٌ لا يُنازَعون عليه، لأنه يقال‏:‏ لا مشاحة في الاصطلاح‏.‏

* إذا ما هي الفائدة من معرفة هذا القسم من أقسام الحديث‏؟‏

نقول‏:‏ الفائدة لئلا يشتبه الأشخاص، فمثلاً‏:‏ إذا كان عندنا عشرة رجال كلهم يُسمَّون بـ‏(‏عباس‏)‏ فلابد أن نعرف من هو عباس، لأنه قد يكون أحدهم ضعيفاً‏:‏

إما لسوء حفظه‏.‏

وإما لنقص في عدالته، وإما لغير ذلك‏.‏

فلابد أن نعرف من عباس هذا، لأجل أن نعرف هل هو مقبول الرواية، أو غير مقبول الرواية، وهذا الباب قد ألَّف فيه كثير من العلماء وتكلموا فيه، وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله -‏.‏

فإذا قال قائل‏:‏ بأي طريق نميز هذا من هذا‏؟‏

فنقول‏:‏ أما المؤتلف والمختلف فتمييزه يسير؛ لأنه مختلف في النطق، ولا يكون فيه اشتباه في الواقع، إلا إذا سلكنا طريق المتقدمين في عدم الإعجام‏.‏

* والإعجام هو‏:‏ عدم تنقيط الحروف‏.‏

فمثلاً‏:‏ عند المتقدمين كانت كلمة ‏(‏عباس - وعيَّاش‏)‏ واحدة لأنها كانت لا تُشكل ولا تُنقط، أما عند المتأخرين فإن الباب يقلُّ فيه الاشتباه، لأنهم يُعجمون الكلمات‏.‏

أما المتفق والمفترق فهو صعب، حتى في زمن المتأخرين، لأن تعيين المراد تحتاج إلى بحث دقيق في معرفة الشخص بعينه، ووصفه تماماً‏.‏

* فصار إذاً فائدة معرفة هذا الباب هو‏:‏ تعيين الراوي، للحكم عليه بقبول روايته أو بردّها، والمرجع في ذلك الكتب المؤلفة في هذا الباب، ومما يُعين على تعيين الرجل معرفة شيوخه الذين يروي عنهم، وكذلك معرفة طلابه، الذين يروون عنه‏.‏

ثم قال المؤلف رحمه الله‏:‏

والُمنكَرُ الفَرْدُ بهِ رَاوٍ غَدَا ** تَعدِيلُه لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا

هذا هو القسم الثلاثون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المنكر‏.‏

* وقد اختلف المحدثون في تعريف المنكر‏:‏ فقيل‏:‏ إن المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة‏.‏

مثل‏:‏ أن يروي الحديث ثقةٌ على وجه، ويرويه رجل ضعيف على وجه آخر، حتى وإن كانا الراويان تلميذين لشيخ واحد‏.‏

وقال بعضهم في تعريف المنكر‏:‏ هو ما انفرد به واحد، لا يحتمل قبوله إذا تفرَّد‏.‏ وهذا ما ذهب إليه الناظم‏.‏

وعلى هذا التعريف يكون المنكر هو الغريب، الذي لا يحتمل تفرد من انفرد به، وهو مردود حتى لو فُرض أن له شواهد من جنسه، فإنه لا يرتقي إلى درجة الحسن، وذلك لأن الضعف فيه متناهي، والتعريف الأول هو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه نخبة الفِكر‏.‏

قال المؤلفُ رحمه الله‏:‏

مَتُروكُهُ ما وَاحِدٌ بهِ انْفَرَدْ ** وأجَمعُوا لضَعْفِهِ فهْوَ كَرَدّ

هذا هو القسم الحادي والثلاثون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو المتروك، وقد عرفه الناظم بقوله‏:‏

‏(‏ما واحدٌ به انفرد‏)‏ يعني أن المتروك هو ما انفرد به واحد، أجمعوا على ضعفه‏.‏

والضمير في ‏(‏أجمعوا‏)‏ يعود على المحدثين‏.‏

قوله ‏(‏فهو كردّ‏)‏ أي هو مردود، والكاف زائدة من حيث المعنى‏.‏ فالمتروك كما عرفه المؤلف، هو‏:‏ الذي رواه ضعيفٌ أجمع العلماء على ضعفه‏.‏

فخرج به‏:‏ ما رواه غير الضعيف فليس بمتروك، وما رواه الضعيف الذي اختلفوا في تضعيفه‏.‏

هذا هو ما ذهب إليه المؤلف‏.‏

وقال بعض العلماء ومنهم ابن حجر في النخبة‏:‏ إن المتروك هو ما رواه راوٍ متهمٌ بالكذب‏.‏

فمثلاً‏:‏ إذا وجدنا في التهذيب لابن حجر، عن شخصٍ من الرواة، قال فيه‏:‏ أجمعوا على ضعفه، فإننا نسمي حديثه متروكاً إذا انفرد به، لأنهم أجمعوا على ضعفه‏.‏

وإذا وجدنا فيه قوله‏:‏ وقد اتهم بالكذب فنسميه متروكاً أيضاً، لأن المتهم بالكذب حديثه كالموضوع، ولا نجزم بأنه موضوع، ولكن كونه متهماً بالكذب، ينزل حديثه إلى درجة تقرُب من الوضع‏.‏

ثم قال رحمه الله تعالى‏:‏

والكذبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ** على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ

هذا هو القسم الثاني والثلاثون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم وهو الموضوع‏.‏

وقد عرفه المؤلف بقوله‏:‏ والكذب المختلق ‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏.‏

يعني هو‏:‏ الذي اصطنعه بعض الناس، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فإننا نسميه موضوعاً في الاصطلاح‏.‏

* وكلمة موضوع هل تعني أن العلماء وضعوه ولم يلقوا له بالاً، أم أن راويه وضعه على النبي صلى الله عليه وسلّم‏؟‏

نقول‏:‏ هو في الحقيقة يشملهما جميعاً، فالعلماء وضعوه ولم يلقوا له أي بالٍ، وهو موضوع أي وضعه راويه على النبي صلى الله عليه وسلّم‏.‏

والأحاديث الموضوعة كثيرة ألَّف فيها العلماء تآليف منفردة، وتكلموا على بعضها على وجه الخصوص، ومما أُلف في هذا الباب كتاب ‏(‏اللالىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة‏)‏ ومنها ‏(‏الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة‏)‏ للشوكاني، ومنها ‏(‏الموضوعات‏)‏ لابن الجوزي، إلا أن ابن الجوزي - رحمه الله - يتساهل في إطلاق الوضع على الحديث، حتى إنهم ذكروا أنه ساق حديثاً رواه مسلم في صحيحه وقال إنه موضوع‏!‏ ولهذا يُقال‏:‏ ‏(‏لا عبرة بوضع ابن الجوزي، ولا بتصحيح الحاكم، ولا بإجماع ابن المنذر‏)‏ لأن هؤلاء يتساهلون، مع أن ابن المنذر تتبعته فوجدته أن له أشياء مما نقل فيه الإجماع ويقول‏:‏ لا نعلم فيه خلافاً، وإذا قال ذلك فقد أبرأ ذمته أمام الله تعالى‏.‏

والأحاديث الموضوعة لها أسباب‏:‏

* منها التعصب لمذهب أو لطائفة، أو على مذهب أو على طائفة، مثل آل البيت؛ فإن الرافضة أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنهم لا يستطيعون أن يُروجوا مذهبهم إلا بالكذب، إذ أنَّ مذهبهم باطل، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام - رحمه الله - عنهم‏.‏

وهناك أحاديث كثيرة رويت في ذم بني أمية، وأكثر من وضعها الرافضة، لأن بني أمية كان بينهم، وبين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حروب وفتن‏.‏

والموضوع مردود، والتحدث به حرام، إلا من تحدّث به من أجل أن يبين أنه موضوع فإنه يجب عليه أن يبين ذلك لناس، ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلّم‏:‏ «من كذب علّي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، وثبت عنه أنه قال‏:‏ «من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحدُ الكاذبين»‏.‏

وإذا أردت أن تسوق حديثاً للناس، وتُبين لهم أنه موضوع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلّم، فلابد أن تذكره بصيغة التمريض ‏(‏قيل ويُروى ويُذكر‏)‏ ونحو ذلك، لكي لا تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بصيغة الجزم، لأنه إن فعلت ذلك أوقعت السامع في الإيهام‏.‏

* ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن ننبه عليها‏:‏ ما يفعله الزمخشري في تفسيره من تصديره السورة التي يفسرها، أو ختمها بأحاديث ضعيفة جداً أو موضوعة، في فضل تلك السورة، ولكن الله يسر للحافظ ابن حجر رحمه الله فخرَّج أحاديث تفسير ‏(‏الكشَّاف‏)‏ للزمخشري وبين الصحيح من الضعيف من الموضوع‏.‏

ثم قال رحمه الله‏:‏

وقَدْ أتَتْ كالَجوهَر الَمكْنُونِ ** سَمَّيتُها منظُومة البَيقُونِي

قوله‏:‏ ‏(‏أتت‏)‏ الضميُر يعود على هذه المنظومة‏.‏

وقوله ‏(‏كالجوهر المكنون‏)‏ أي مثل الجوهر، فالكاف للتشبيه‏.‏

و‏(‏أتت‏)‏ فعل ماضي، وفاعله مستتر، و‏(‏كالجوهر‏)‏ منصوبة على الحال، أي‏:‏ أتت مثل الجوهر‏.‏

وقوله ‏(‏المكنون‏)‏ أي المحفوظ عن الشمس، وعن الرياح، والغبار فيكون دائماً نضراً مشرقاً‏.‏

وقوله ‏(‏منظومة البيقوني‏)‏ نسبها إليه، لأنه هو الذي نظمها‏.‏

ثم قال رحمه الله تعالى‏:‏

فوقَ الثلاثيَن بأربعٍ أتَتْ ** أبياتُها ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ

قوله ‏(‏فوق الثلاثين بأربعٍ أتت‏)‏ أي أنها أتت أربعة وثلاثين بيتاً‏.‏

وقوله ‏(‏أبياتها ثم بخير خُتمت‏)‏ يعني أن أبيات هذه المنظومة جاءت فوق الثلاثين بأربع ثم خُتمت بخير‏.‏




وإلى هنا ينتهي - بفضل الله تعالى - هذا الشرح،

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال،

وأن يغفر الزلل والخطأ إنه سميع مجيب‏.‏

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك

على نبيناوإمامنا محمد بن عبدالله

وعلى آله وأصحابه وأتباعه

بإحسان إلى يوم الدين‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://boudjemaafathi.page.tl
 
شرح منضومة البيقونية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أبو الحسن التعليمية :: المنتديات الإسلامية ::  السيرة و الحديث النبوي الشريف -
انتقل الى: