حلم آخر العمر

وسط هذا الظلام الشديد الذي يخيم على الكون منذ غروب الشمس، أسمع أنين صوتك يناجيني فأحاول أن أستجيب لندائك، لكن الإرهاق الذي ألم بجسمي ومفاصلي صار يمنعني من ذلك، أسمعك جيدا فتطير نفسي إليك اشتياقا وزهوا، وأسمع إلى خفقان قلبك المتتالي فيحن قلبي إليك، وترتعد فرائسي، وأنهض من فراشي قائما لأعانق طيفك المختفي بين هذه الظلمات، أسألك أين أنت وأمد يدي لأمسك بيدك لكنني لا أجدك!..
فأين أنت؟! .. ولماذا تختفين مني ؟! ... وأعود إلى مكاني من جديد ويتكرر النداء لكن هذه المرة لا أسمع شيئا، لقد استفحل التعب بي فصرت لا أقدر على النهوض، ولم تصمد جفوني أمام سكرات النوم، فترامت أطرافي وارتخت أعضائي، وغبت عن الوجود..! تحدثني نفسي بأن أزورك ممتطيا مهب الريح حين تهيج العواطف، وأقيم بين ضلوع صدرك أبد الدهر، لا يعكر أحلامي ظلام الليل الحالك، ولا يثير شجوني فراقك المتكرر، أين أنت لأزف إليك بشرى قدومي؟! ..
وينغمس كل من حولي في جو الملاهي، لكنني لا أجد في هذا ملذة ولا رحبا، فأرسل دموعي مدرارا، وتتصاعد من صدري زفرات الأسى والألم، وأمد يدي لأقطف زهرة أستنشق أريجها، فإذا بي أشم رائحة الموت آتية من بعيد، فيختلج فؤادي ويتملكني الخوف، وأفزع من نومي مذعورا، فإذا بجبيني يقطر عرقا، فأخشى على نفسي من هواك، فأقسم على أن لا أفكر فيك ما دمت حيا !.. فأمسح دموعي، وأخترق هذا الصمت المنتشر من حولي، وأفضل اليقظة على النوم، حتى أنجو من ملاحقة طيفك الوردي الذي ما زال يطاردني كلما غفوت، ويلازمني كلما تذكرت أن هناك بين الديار البعيدة إنسانة تعاني المرارة بسببي، فمعذرة أيتها الغريبة، فأنا لا أود إزعاجك بقدر ما أفضل التخلص من خيوط نسجتها نظرات عينيك الساحرة، فصارت تحاصرني من كل ناحية، لا أريد أكثر من هذا، ولا أطمع في أن أكون فارس أحلامك، بل حتى أن أكون آخر شيء تفكرين فيه، فسلام عليك يوم كان اللقاء محتوما فالتقينا، وسلام عليك يوم يحل الفراق وتتركين قلبي يتحسر بين الحقيقة الحلم، والأيام باقية بقاء الأحبة ! ..
وتستمر الحياة، وتمضي الأيام بطيئة، وتتوالى الشهور، والأحلام لن تموت، الشوق يتجدد، والفراق آت لا محالة، وسوف لن يتركنا ننعم بالسعادة التي كانت حلمنا في يوم من الأيام، وتبدد الحلم وضاع كل شيء، وبين هذا وذاك نسيت كل شيء عندما ضاع مني كل شيء ! ..

إلى الذين لم يسعفهم الحظ في استنشاق نسمة السعادة ولو مرة في الحياة....
إلى ذوي الإحساس الرهيف والنفوس الطاهرة...
إلى كل هؤلاء وأولئك أهدي هذه العبارات الصامتة

شكرا على الموضوع الرائع والمميز ننتظر جديدك